الاثنين، 3 يونيو 2013

حمد الحمد ولقاء مع جريدة الثورة السورية في اكتوبر 2008 عن اوضاعنا العربية قبل ثوراتنا


لقاء مع جريدة الثورة السورية في 21 أكتوبر 2008
الروائي الكويتي حمد الحمد:لانــــــزال نعيـــــــش حيــــــــاة قَبَليــــة
ملحق ثقافي- جريدة الثورة
21/10/2008
م
أنور محمد
حمد الحمد قاص وروائي كويتي, يشغل الآن منصب رئيس رابطة الأدباء في الكويت(سابق), يكتب إنَّما بحدِّ السكين؛ وبسخرية وتهكُّمٍ مريرين حتى يعثر على الحرية.التقيناه في الكويت وكان هذا الحوار:
*في روايتك "مساحات الصمت" يذهب السرد عندك إلى السخرية, ثمَّة فنان وثمَّة ساخر كيف جمعت بينهما؟‏
** في رواية مساحات الصمت سلكت أسلوب لقطاتٍ مختصرة لقضايا هامة تشغل العالم العربي وهي قضايا الحرية، الديمقراطية, حقوق الإنسان، وغيرها. لهذا تعمَّدت أن أستعمل أسلوب السخرية حتى لايتحوَّل العمل الروائي إلى بحث أكاديمي ، لقد كنت أحاول الجمع بين رسم الشخصيات والسخرية حتى يستوعب القارئ المغزى والغوص بين السطور .‏
* أبطالك ساخرون- يكافحون التخلف والغباء والجهل والذكاء وهم متضامنون؟ ..مسعود الكواكبي يخترق الجو(الأورويلي) النظم الشمولية؛ يظلُّ بطلاً- لاينهار كما بطل أوريل وينستون في "1984" ؟‏
** يحاول مسعود الكوكباني اختراق الممنوع لأنَّه فاقد الأمل، وهذه فيها تصوير لبعض الشخصيات العربية التي تكتشف بأنَّ واقعنا يحيط به السواد, لهذا يحاول البطل أن يجازف حتى الموت بأسلوب كوميدي.‏
* السخرية عندك وإن كانت في جانب منها ذهنية- لكنَّها تجيء لعباً؛ فمسعود الكواكبي ومسرور البلداني يأخذان بالذكاء لكشف غباء الفساد, مشروع الفساد العربي- ليس بلذَّةٍ؛ وهما يتلذذان. بل وهما مقهوران؟.‏
** القهر لدى أبطال العمل دليل الإحباط واليأس, لهذا حاولت أن ألعب على هذا الخط ، لأنَّ في عالمنا العربي دائماً المواطنُ آخر من يعلم، لهذا عندما تقع المصائب فعليه أن يتصدى لها بجسده وعقله, وحتماً سيكون هو الضحية لأجل وطنٍ لا يعرفه, وإنَّما يعيش فيه .‏
* في روايتك "زمن البوح" أنت أكثر محلية/ كويتية, منك في "مساحات الصمت". أنت تتصدى /تلعب على الصراع العلني الذي يقوم في صحيفة محلية كويتية بين زميلين؛ وليد المتزمِّت دينياً, ومنال المنفتحة المتفتِّحة على الفكر- لا تذهب إلى الصدام بل تدع الحب ينتصر فيتزوجان ؟ أهي فلسفة الحب؟.‏
** في زمن البوح حاولت أن أعالج قضايا فكرية, وتجاذبات اجتماعية في الحياة الكويتية على لسان أناس بسطاء ، لأنَّ معالجة مثل هذه القضايا بأسلوب جاد حتماً تكون مملَّة, ولن أستطيع إيصال الحقيقة. لذا كان الهدف من كتابة ( زمن البوح ) هو عرض وإثارةٌ للواقع الكويتي, للحياة الفكريةِ والصراعات التي تتجاذبها ، فكرٌ يسعى يسيطر أو يطمس فكراً آخر. فالتيار "الديني" الذي يمثِّله وليد يحاول طمس التيار "الليبرالي" الذي تمثِّله منال، وآخر الأمر يتمكَّن من ذلك. وهذا على ما يبدو هو حال واقعنا العربي الذي حاول فيه التيار الديني السياسي السيطرة على الشارع, إلا إنَّه يفشل بالأسلوب الديمقراطي, والآن يحاول بالأسلوب الإرهابي والتفجيري. وهناك خطأ لدى الكثيرين ممن فهم أنَّ وليد تزوَّج منال, أنا تركتُ النهاية مفتوحة. فالواقع الكويتي يشهد الآن سيطرة التيار الديني بأسلوب غير متدرِّج .‏
* في خطٍ ثانٍ من الرواية تطرح مشكلة(البيدون) الذين لم يتجنَّسوا؛ فنرى(مجبل) وهو أيضاً صحفي يموت إثر عملية جراحية في القلب؟ لماذا الموت وأنت تريد تنتصر كأبطالك للحياة؟.‏
** في ( زمن البوح ) تعرضت لأزمة البدون وأزمة مجبل ، وموته وهو يمثل القهر في عدم إيجاد صيغة أفضل لوضعه في المجتمع رغم أنَّ الكل يتعاطف معه.‏
* في "مساءات وردية"السجن هو المكان الروائي, لكنَّك تصرُّ على السخرية, على اللعب هازئاً, فتغيِّر اسم السجن إلى اسم نادي, وجناح إلى عنبر,وغرفة بدل زنزانة, والسجين يصير اسمه عضو- وتطالب لكلِّ عضوٍ بحقِّ الخلوة, وتلعب بالإرهاب والتطرُّف الذي ترأَّس تياره (عوض) الذي يصادرُ؛ يلغي كل رأيٍ لأعضاء النادي- السجن إلا رأيه, فيقفُ ضدَّ القومية والديمقراطية والوحدة.. هل تُبشِّر بانقلابٍ اجتماعي سياسي؟.‏
** في "مساءات وردية" قدَّمت صوراً لمشاكل اجتماعية كويتية, وقد تَحْْدُثُ هذه الوقائع في أيِّ مجتمع آخر , إلا أنني تلاعبت بالأسماء والرموز حتى لاتتشابه مع الشخصيات والروايات التي كُتبت عن السجون ، أنا في روايتي هذه عن السجن تعرَّضت لقضايا كثيرة تهم المجتمع ، واعترف بأني قبل أن أكتب الرواية قضيت ساعات وساعات في سجن الكويت المركزي لأتعرَّف على حال السجن والسجناء، وبعض الصور الملتقطة في الرواية هي صورٌ لها ملامح حقيقية .‏
* هذا يكشف عن عنفك. تبدو في سخريتك عنيفاً إنَّما مؤثِّراً. فأنت رغم تعاطفك مع شخصياتك لكنَّك تفضحها, تعرِّيها.. هل تريد تحفرُ, تسبرُ أعماقها؛ فمثلما تكشفُ مآسيها تكشفُ كذبها وادِّعاءها؟ ..‏
** أعترف بأنَّ الشخصية الإنسانية الزائفة تحتاج من الروائي أن يقوم بتعريتها, لفضح وكشف كمِّ وكيفِ"انتهازيتها",وكيفَ تتسلَّق على أكتاف البسطاء, وتحقِّق أمجادها في مجتمعاتٍ ماتزال تحكمها العقلية القبلية، هذه العقلية التي تريدكَ أن تكونَ معها ديمقراطياً فيما هي تكون معك مستبدة . وأعتقد أنَّنا في عالمنا العربي مانزال نعيش حياةً قبلية, وكأنَّ كل هذه المدن وشوارعها وحدائقها ومسابحها وملاعبها؛ والسيارات التي تخترقها والطائرات التي تحلِّق في سمائها؛ والأقمار الصناعية من "هوت بيرد" إلى "عرب سات" لم تستطع أن تغنينا عن الخيمة والصحراء . إنَّ العقلية القبلية ماتزال تئدُ المرأة وتتعامل معها على إنَّها جزء من ممتلكاتها، ولولا الخجل من (الديمقراطية) التي نتعاطى معها كزينةٍ في مجالسنا, وفي وسائل إعلامنا, وفي أسِرَّتِنا؛ لأعدنا نظام (الرق) لكونه تراث السلف الصالح؛ تراث العقلية التكفيرية التي تتحصَّن بالعصا والمسدس .‏
* تكاد تكون الروائي الخليجي الوحيد الذي يسخر من المأساة, مع ذلك تبقى مؤثِّراً و ساخراً- أهي المأساة الجديدة, الحساسية تجاه من يُدمِّر مشروعنا الإنساني ولا نقوى ندافع عنه؟.‏
** أنا أكتب لأوقف هذه المأساة, والسخرية في رواياتي بما تحمله من تهكُّمٍ يدفع أحياناً إلى الضحك هو ليس لترفيه القارئ. أنا أعالج قضايا عديدة معاصره، فهناك مشاريع نحلم بها ولا نحقِّقها؛ وإن حقَّقنا ماحقَّقنا منها فهناك ثمَّة من ينتظر ليدمِّرها. في كتاباتي أحلم, والكاتب دائماً يحلم, ولولا الحلم لكنَّا مثل العميان؛ عميان البصر والبصيرة,فهو مركبنا الأخير الذي يُقلُّنا,بل ويقنعنا بعذوبة الحياة. في "رمضان" الماضي وقبل العيد بيوم توفي ابني "سليمان" عن ثلاثة وعشرين سنة, ومن يومها توقَّف قلمي عن الكتابة، ومازلت أعيش مأساة الموت،تلك المأساة الرواية التي لم تكتمل "سليمان" الذي وضع رأسه على السرير في 11/10/2007 ولم يستيقظ, ولم يودعنا.كم هو مرعبٌ أن تحزَّك المأساة بسكينٍ مثلَّمة وبيديك كلُّ الأسلحة الفتاكة ولا تقدر توقفها, وفوقها تعجز أن تكتب كلمات رثاء رغم إنَّه كلَّ يومٍ تتراءى صورته لي وكأنَّه مايزال يعيش معنا, وهذا مايؤرقني بل ويذبحني. وللعلم ليلة وفاته كنت انتهيت من كتابة رواية, وها قد مرَّت سنة وإلى الآن لم أعد إليها, ولا أعرف حتى أين أوراقها. الكتابة عن المأساة, الكتابة عن الموت دون أن تعيشه كما الكتابة على الماء, وهذه هي المأساة الجديدة.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق