الجمعة، 4 فبراير 2022

 

حمد عبدالمحسن الحمد 

 

    الكويت في زمن الأربعينيات والخمسينيات

شهود وشهادات

 

إحدى وخمسون شخصية كويتية تقدم شهاداتها عن الحياة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية  للفترة منذ عام 1940 وحتى 1959 م الموافق الفترة من ذي القعدة 1358 إلى رجب 1379 هـ

 

سيرة مجتمعية 

الطبعة الثاني

____________________________________

يباع الكتاب لدى مكتبة راكان ( العجيري سابقا ) في حولي وكذلك جميع إصدارات الكاتب وممكن التواصل مع المكتبة وفق الآتي :

ت 22618415 /22613749 /22626057

وللطلب ( واتس أب ) / 96696052

_____________________________________

محتويات الكتاب

ضوء.....

الفصل الأول

هنا جبلة وهنا شرق

1 شهادة أ. عبدالله بشارة   ..................................................

2 شهادة أ. محمد السنعوسي ............................................

3 شهادة أ. محمد أبوالحسن

4 شهادة أ. عبدالرحمن الغنيم

5 شهادة د. رشيد الحمد

6 شهادة أ. وليد النصف

7 شهادة د. خليفة الوقيان

8 شهادة د. سليمان الشطي

9 شهادة أ. عابدين الصايغ

10 شهادة أ. عبدالعزيز المفرج " شادي الخليج "

11 شهادة أ. على بن صالح الرومي

12 شهادة أ.عبدالرحمن النجار

13 شهادة أ. عبدالله خلف

14 شهادة د. عادل العبدالمغني

15 شهادة أ. خالد الحمد

16 شهادة د. مرزوق الغنيم

17 شهادة د. بدر العيسى

18 شهادة د. بدر العمر

19 شهادة أ. أحمد المناور

20 شهادة د. ياسين الياسين الابراهيم

21 شهادة أ. سعاد الرفاعي

22 شهادة أ. سامي محمد الصالح

23 شهادة د. يعقوب الحِجي

24 شهادة أ. فرحان الفرحان

25 شهادة أ. خالد بورسلي

26 شهادة أ. بدر الجويهل

27 شهادة أ. عبدالمحسن مظفر

28 شهادة أ. عبدالوهاب بوقريص

29 شهادة أ. فيصل الغيص

30 شهادة أ. يوسف الرفاعي

31 شهادة أ. بدر النجار

32 شهادة أ. بدر الجوعان

33 شهادة  أ. محمد البكر

34 شهادة أ. صادق يلي بهبهاني

35 شهادة أ. صقر الغربة

36 شهادة أ. خالد المخيزيم

37 شهادة أ. سليمان الصالح " رحمه الله"

38 شهادة أ. عبدالوهاب المنيس

الفصل الثاني

هنا المرقاب وهنا بر الشامية

1 شهادة أ. ليلى العثمان

2 شهادة أ.غنام الديكان

3 شهادة أ.عائشة اليحيى

4 شهادة أ. عزيزة البسام

5 شهادة أ. حمد اليحيى

6 شهادة أ. سعد الشلاحي

7 شهادة أ. عمش الصويحة

8 شهادة أ. عبداللطيف المنصور

 9إفادة وسيرة  حمد الحمد

 

الفصل الثالث

هنا الفنطاس والأحمدي وجنوب الكويت

1 شهادة أ. رجا الحجيلان المطيري

2 شهادة د. جاسم الحمدان

3 شهادة أ. أسد تقي

الفصل الرابع

هنا الجهراء

1 شهادة أ. عبدالله المصيريع

الفصل الخامس

هنا جزيرة فيلكا

1 شهادة أ.محمد طه الفيلكاوي

________________________________________  

المقدمة

ضوء

بسم الله الرحمن الرحيم

    من دون أيّ مُقدمات وأثناء حصار جائحة كورونا ، قررت أن أقوم بإعداد كتاب توثيقي يتضمن شهادات لشخصيات كويتية عاشت في فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الماضي ، تلك الفترة كانت فترة تاريخية حاسمة ومُهمة عاشها المجتمع الكويتي والخليجي ، حيث كان عصر الاعتماد على الغوص والسفر التجاري قد شارف على الانتهاء ، فقد تم اكتشاف اللؤلؤ الاصطناعي الذي هدّد رزق أهل الخليج ، وحدث استقلال الهند عام 1947 م عن بريطانيا ، مما حدّ بشكل كبير من تجارة أهل الكويت مع الهند التي فرضت حكومتها بعد الاستقلال ضرائب عالية على أصحاب السفن والمكاتب التجارية الكويتية ، وهذا كله كان له أثر كبير وسلبي على وضع الكويت الاقتصادي.

      لكن بحمد الله ما إن توقفت الحرب العالمية الثانية حتى بدأ تصدير النفط ، وانتعشت الكويت وغيرها من دول خليجية ، وحدث ازدهار اقتصادي وتغيّر اجتماعي وثقافي كبير ، لهذا فإن مواليد تلك الفترة وقبلها هم شهود على مُجتمع مُتغيّر ، وهم ينقلون لنا بمصداقية عبر شهاداتهم أحوال مجتمعهم من الفريج والبيت القديم ، والكتاتيب وبداية التعليم النظامي ،وتقاليد اجتماعية اختفت وأسواق شعبية والفرضة ومظاهر شهر رمضان والأعياد وهكذا .

   ولا أود أن أفصح عن ما اتضح لي من تلك الشهادات وكنت فعلياً أجهله ، لكن أصحاب الشهادات ، قدموه لي في مقابلات صوتية أجريتها معهم ، فأكثر من خمسين بالمائة منهم ، وهم 51 شخصية ، معروفون إعلامياً ، والبقية هم شخصيات لها مكانتها بالمجتمع ، ولهم عطاء كبير في مراكزهم الوظيفية ، لقد حرصت على أن يكون أصحاب الشهادات من كافة المناطق وفئات المجتمع .

     لقد اتبعت منهجي الخاص في إعداد الكتاب ، فكل مقابلة أجريها مع شخصية ما،  أعمد إلى تسجيلها صوتياً بما لا يتعدى  60 دقيقة ، حتى لا أُثقل على صاحب الشهادة ، وكذلك حتى لا أُثقل على نفسي بتفريغ محتوى الشريط على اللاب توب ، والذي غالباً ما يأخذ مني ما يُقارب خمسة أيام على فترات .

     كانت الأحاديث عفوية وباللهجة المحلية ، لهذا في مضمون الشهادات نجد مادة طبيعية ، حيث تعمّدت أن لا أضيف كلمات مُعجمية حتى لا أخرج عن اقوال المُتكلم ، وأن يكون هناك أمانة بالنقل من قبلي من دون تغيير ، لهذا نجد مضمون الشهادات خليطاً بين الفصحى والعامية ، هذا مع التأكيد أن الشهادات لا تقتصر في الحديث على فترة الأربعينيات والخمسينيات ، إنما تشمل  ملامح وروايات عن فترات ما قبلها وما بعدها .

    إعداد مادة الكتاب بدأت في شهر مارس من عام 2021 م حتى خروج الكتاب من المطبعة  بما يقارب عشرة شهور، وفي مقدمتي هذه لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل أصحاب الشهادات الذين رحبوا بي ، وفتحوا صدورهم مع حسن الاستقبال والترحاب ، رغم أن لا معرفة شخصية سابقة لي بالعديد منهم ، وكان لدعمهم ومساندتهم الدافع لي للاستمرار في إنجاز مادة هذا الكتاب  .

    كذلك أود التنويه أنه ضمن محتوى تلك الشهادات أسماء كثيرة انتقلوا إلى رحمة الله من أمد طويل وغادروا دنيانا ، ولهم حق علينا أن نترحم عليهم في بداية كتابنا رحمهم الله جميعا واسكنهم فسيح جناته.

   مادة كتابي هذا تعتبر مُنجزاً توثيقياً بجهد تطوعي واجتهاد فردي ، يقدم لأجيال جديدة منذ مواليد الستينيات وما فوق واقع مجتمعهم في تلك الفترات الزمنية من عمر الوطن ، ونتمنى أن يلقىَ عملنا هذا القَبول والرضا ، وأن يُعتبر وثيقة تاريخية ، وشهادات حيّة ترسم ملامح الفترة التي نتحدث عنها .

 

حمد عبدالمحسن الحمد

الكويت في نوفمبر 2021 م

 

 

الفصل الأول ( هنا جبلة وهنا شرق )

 

( 1)

شهادة

أ .عبدالله بشارة

ولنا لقاء مع الأستاذ عبدالله بشارة في مكتبه في الكويت العاصمة ، وذلك يوم الخميس الموافق17 يونيو 2021 م، والأستاذ عبدالله بشارة غني عن التعريف، وهو دبلوماسي سابق مثَّل الكويت في المحافل الدولية ، وصدر له عدة إصدارات * وكانت شهادته كالتالي :

مولدي في فريج الشيوخ ببهيته

    "  عبدالله بن يعقوب بن معيوف بن حسين بشارة ، ومولدي عام 1936 م ، في فريج الشيوخ في منطقة بهيته ، وأهلنا عائلة بحرية والآباء والأجداد كلهم نواخذة ، لكن انتقلنا عام 1940 م ، إلى حي شرق حتى نكون مقابل البحر ، لأننا أهل بحر ،وكان بيتنا الجديد عند بيت ديكسون وديوان العسعوسي  ، وفي فريج الشيوخ أذكر جيراننا بيت شيخان الفارسي وبيت الجوعان وبيت بن ناصر والدخان والقطان وبيت بن قعود وبيت الدّلّال وبيت أولاد جوهر وهم يعملون مع الشيوخ ، وبيت الإبراهيم والغانم ، وبيت والد الشيخ جابر المبارك ، وليس بعيد عن بيتنا بيت الشيخ حمود الجراح  ، وكان معنا من الأولاد أحمد الجوعان وأحمد الناصر، وفي بيتنا كان فيه ديوانية لكن جدي تركها ، باعها بعد أن احتاج فلوس ، وكان جارنا  حسن القعود والد راشد مبارك القعود ، وحسن القعود قَدِمَ من نجد وانضم للشيخ سالم المبارك ، وحسن القعود رجل خير ، وكان يتصدّق على أهل الفريج من خير الشيخ سالم المبارك ، وأذكر بيت علي بوعلوة وعيال بودي وهناك براحة بودي ، وبيتنا موقعه على حد مسجد الدولة الكبير الحالي ، وبيتنا في فريج الشيوخ قديم جداً  وكان فيه الوالد والجد ، وجدي معيوف مُعَمّرْ وتوفي عام 1947 م ، وكان عمره فوق التسعين ، ووالدي يعقوب كان نوخذة توفي عام 1965م ، وجميع الأهل نواخذة وأصحاب سفن ، وَفق البصمة الوراثية أجدادنا قدموا من المنطقة الشرقية من منطقة الدمام وهم من تميم ، وأستقرارهم في الكويت قديم جداً ، ولصق بنا لقب "بشارة" من زمن طويل جداً "

 

في ديوانيتنا يتجمع البحرية

   " تركنا فريج الشيوخ وعمري أربع سنوات ، وانتقلنا لحي شرق ، وموقعه لصيق بديوان العسعوسي ، وأنا تربيت بديوان العسعوسي حيث تواجدي دائماً في ديوانهم  مع أولادهم ، هذا البيت بشرق كان أكبر وفيه حوش ، وفيه ديوان ، لأن الديوان ضروري للنواخذة ، حيث إذا قدم الصيف يتم تخزين أشرعة السفن في الديوان ،والشرع مجموعة وبأنواع مختلفة ،  شراع عود ، وشراع صغير ، وسفديرة وبومية وقلمي ، كذلك للديوان فائدة مهمة ثانية ، وهي تجمع البحارة لمناسبتين كبيرتين ، المناسبة الأولى إذا أراد النوخذة ضم البحرية  للرحلة القادمة،  فيقال " فلان رَكَب " "ركب" يعني انضم للبوم ، وفلان "حَدّر "وتعني ترك البوم ، فيتفق معهم النوخذة ، وأذكر بعض الأسماء من المجدمية والسكوني ، أولاد الطويل وأولاد بن سلامة وغيرهم ، وأذكر ضم البحرية لفتح الخير ،وقبل كان مع محمد ثنيان الغانم ، لهذا الديوانية تخدم النوخذة طوال فترة الصيف لأن عنده ناس ، لان البوم بالشتاء مسافر للهند ويرجع آخر يونيو ، وأخي النوخذة عيسى بشارة عودته في هذا الشهر،  وتبدأ الرحلة التالية في آخر سبتمبر ، وفي فترة الصيف يلتقي مع أصحابه في الكويت ، وكذلك أخي عيسى يعرف أهل السواحل التي يمر بها ، فأذكر أهل "صور" من عُمان يأتون للكويت في سفنهم الأغلب بغلة وهم في طريقهم للبصرة ، لهذا أهل صور إذا قدموا للكويت سكنهم في سفنهم ، لكن استضافتهم وتواجدهم ليلاً، وفي النهار في ديوانية بشارة ،حيث لهم علاقة وثيقة مع أخي عيسى بشارة (1) ،حيث يُسَهٌل لهم تعاملهم مع تجار الكويت ومن يملكون النخيل والتمور في البصرة ، ومنهم الصقر والمرزوق وآل الإبراهيم والشيوخ ، ومن يملكون النخيل هناك ، لكن في الديوانية أهم شي هو لقاء النوخذة مع "الجزوة " ، وهم عمالة السفينة البحارة، وبعد رجوعه من رحلة السفر ، وكنت أنا أشاهد أخي يسلمّ البحارة كل واحد حقه بكل أمانة وفق الحسابات ، وأشاهده وأنا مُستغرب ، أن يعطي هذا الطباخ حقه ، وهذا نهام وغيره ، كل واحد يستلم ولا أعتراض من أحد ، وكانت الأمانة والثقة وحُسن التعامل هو السائد ، وكان يسلم كل بحار قبل السفر أو عامل بالسفينة "سلفة " ، يسلمها لأهله للصرف عليهم  أثناء غيابه الطويل ، وكان أخي عيسى يسمح للبحار بشراء أغراض لبيعها في الكويت عند العودة ، وكذلك والدي يعقوب نوخذة "

 

البحر جهاد .. وأخي عيسى بشارة قال عافني البحر ما عفته!!

    "واذكر والدي يعقوب آخر أيامه مع الكبر أصبح نظره ضعيف، لهذا توقف عن رحلات السفر عام 1952 م، وأخي عيسى كان رجل ثقة ، وكان شاطر ذكي يجيد التجارة ، واستمر برحلات السفر حتى عام 1957 م وتوقف وقال : " عافني البحر أنا ما عفت البحر !!" ، وتأثر عندما صادر الهنود سفينته ، وكان فيها ذهب وتم حجزه في الهند سنة كاملة ، وعاد للكويت عام  1958 م ، وبعد عودته مدير الميناء طلب من أخي  أن يعمل بالميناء ، وعمل سنة ونصف ، لكن لم يُعجبه الوضع ، وتركه كون العمل ليس مجاله ، و أنا لم أعمل مع أخي والوالد ؟ ،والسبب هو أن وضع العائلة المالي جيد ، وأنا كنت الرجل الوحيد في البيت مع عشر سيدات خمس أخوات و والدتي وزوجة جدي معيوف وزوجة أخي وبناته اثنتين وابنه أحمد صغير،  وهو الدكتور احمد بشارة ،وكانت والدتي هي التي تُدير البيت ، لهذا أنا كنت مسئول عن البيت اثناء غياب الوالد والاخ بالسفر لهذا لم أدخل البحر ، في ذلك الوقت كانت الناس أهل بحر والحياة جهاد وكفاح وعمل ، ولم يكن عندهم وقت فراغ ، وإذا عاد أخي في آخر يونيو يبيع بضاعته من  الخشب "الندل" ، وبعد ذلك يرجع للبوم وينظفونه و"يشطنونه " ويعرشونه ، ويبقى البوم "معرش" شهرين يوليو واغسطس وخلال الشهرين يدور له "جزوة "عمالة للرحلة القادمة ، وينهي حساب رحلته مع العمالة السابقة ، والشهرين كلها نهاية رحلة وبداية رحلة  ، وفي الفريج بشرق أذكر بيت مساعد الصالح وأولاده ، والزواوي "مأجرين" بيت والنصف وعيال العصفور وعيال العميري أصحاب فرقة العميري "

المرأة الكويتية في غياب الزوج كانت تدير مملكتها

   " بالنسبة لدور المرأة الكويتية قديما كانت تدير في غياب الزوج مملكتها ،وكانت تحرص على التوافق بين المصاريف وبين القُدرة ، وبين ما نشتهي وبين ما نقدر ، حيث في بيتنا كنا تحت ضغط عشرة أشخاص سيدات وصغار وكبار ، ويحتاج الأمر الى كابتن قائد صلب ، وحتماً ليس بيتنا فقط ، إنما كل بيوت الكويتيين ، وحتى في بعض البيوت الذي وضعهم متواضع مالياً تشاهد النساء يذهبن الى البحر لغسيل الملابس والطبخ ويقمن بكل مهام المنزل ، ولدى المرأة الكويتية إيثار عجيب حيث تعرف أن هذه الحياة صعبة والموجود محدود ، فتنظم الحياة على هذا الأساس  ، ويعجبني الانضباط العجيب حيث تجد السيدة الكبيرة تدير المنزل باقتدار، ولا أحد يشاركها بالرأي ، ولا تجد جدلاً،  وهذا مثل سير الحياة في البوم في عرض البحر ، وكنت أرى والدتي كنوخذة تدير سفينة المنزل ، كما يدير النوخذة البحارة على ظهر السفينة ، وهذا الانضباط هو في الحقيقة الذي حافظ على السكينة في الكويت وكذلك كيان المجتمع ، السكينة بمعنى استمرارية الحياة مع قسوتها ، وهذا الرضا،  وهذا القبول بالموجود والقناعة ، ولا تجد أحداً يتطاول على أحد ، وأذكر عندما كنت العب مع الأولاد في الشارع تحرص والدتي أن أرجع في وقت مُبكر للبيت كوني أمانة تركها والدي لديها ، ولم يكن فيه تسيّب ،وكذلك كانت والدتي ترعى جدي معيوف الذي كان كبيراً بالسن وعاجزاً ، وفي ذلك الزمن ما كان لدى الناس شهوة بالحياة والتجمل والبروز والزينة ، وكان الإحترام موجود بين الجيران وعلاقتهم طيبة ، وكان والدي يرسل أغراضاً مثل النارجيل ويوزعها على الجيران ، وكان والدي يحرص على الزكاة ويوزعها في وقتها " .

رغم عدم وجود رفاهية ، كانت الحياة فيها رضا

    " دخلت الكهرباء بيتنا في أوائل الخمسينيات ، وكانت الوالدة تحرص على أن لا يزيد الاستهلاك والشارع نور ، وكان النوم في السطوح في الصيف والجو حار والسطوح موزعة ، لكن بينها سواتر حيث كان هناك أشخاص متعددين ، وكانت الحياة فيها رضا ولكن لم يكن فيها أُبهة، وفيها قناعة ولم يكن هناك نظر للكماليات ، وكنت أنا أحب القراءة ،وكنت أتردد على مكتبة تابعة للمعارف بجانب مسجد العدساني فيها واحد من بيت التركيت ، وهي مكتبة عامة ، وكنت أقرأ وأستعير كُتباً منها ، ومرة استعرت كتاباً عن الخليفة عمر بن الخطاب وأعدته ، وكنت أسير في سوق التجار قادماً من المباركية  وبيدي الكتاب  ، وشاهدني رجل أعتقد من الجناعات صاحب دكان ، وناداني وقال : " شنهو هذا ؟" قلت " هذا كتاب عن الخليفة عمر بن الخطاب " قال " تقراه " قلت "إيه  " قال شنهو فيه ؟" قلت : "عن الخليفة عمر وعن عدالته وحزمه  وسيرته " ، لإن أذا كنت تحمل كتاب في ذلك الوقت وتسير ، يعتبر شيئاً غير عادي ، لأن الناس في ذلك الوقت مشغولون،  ويُعتبر الكتاب إضافات وليس ضرورة ، وظروف الكويتيين كانت صعبة ، وفي ديواننا لا يوجد كتب "

 

 

مجتمعنا لم يفهم فهد بورسلي

    "وأذكر شخصية مهمة هو الشاعر فهد بورسلي ، وكنت أراه يجلس على السيف على جال البحر ، ويلبس غترة بدون عقال وغير "مهندم" في الملبس ، وكان يتردد على ديوان النصف ، ونصف اليوسف كان أديباً وكان يحبه ويحب شعره ، والمجتمع ما فهم بورسلي ، وفهد بورسلي من الشعراء الذين سبقوا عصرهم ، فكان سابق عصره ، وعصره ما فهمه  وراح بالشعر ، وتصوروا أنه هذا رجل مختل لصراحته ، كان يهجو،  وكان يتغزل ،وكان شاعراً مُبدعاً ، و يسوّق للمنتجات عبر قصائده مالياً .

ديوانية العسعوسي مركز تجمعنا

    " ومن الديوانيات التي أتردد عليها ديوانية العسعوسي في فريجنا ، وكنا نتجمع فيها نحن أهل الفريج خاصة في فترة الصيف كباراً وشباباً ، وأحاديثنا جميعها عن البحر، وفي الشتاء كان قليل ما نتجمع بالديوان لأن النواخذة من آل العسعوسي عبدالوهاب وراشد  يدخلون البحر ، وكنا نتكلم عن البحر وعن الربيان وعن الزبيدي والسمك ، وهذا البوم حدر ، وهذا النهام ما ركب ، وهذا البوم تعور ، وكان من رموز الديوان عبدالله عبدالرحمن العسعوسي وهو مدير الأوقاف ، وكان رجلاً مُحترماً ورجلاً مُبجلاً ، وكان يعطيني رعاية أنا بالذات لعلاقته مع أهلي ، وكان رجلاً مؤدباً ويحكي بأدب وكان يُربي،  وكان إنساناً فاضلاً ، وكان عبدالله العسعوسي يحكي لنا عن مجالس الشيخ عبدالله الجابر،  ومجلس الشيخ صباح السالم والشيوخ ، ويتكلم لنا عن تنظيمات الكويت المستقبلية وتطورها، وكان في ذلك الوقت مجالس مُنتخبة ،وكان عبدالله العسعوسي رجلاً عفيفاُ لا يغيب عن ذاكرتي ، وكان هناك شاعر آخر يتردد على ديوان العسعوسي،  وهو الشاعر عبدالمحسن الرفاعي وهو شاعر شعبي مُقتدر وبحار، وكان يتردد على الديوان العديد من "النهامة "، ديوان  العسعوسي  كان ديوان بحر ، أما ديوان النصف ، فكان ديوان سياسة ، نصف اليوسف وأخوه محمد النصف رجال سياسة ، وهم ناس أصحاب رأي ومُقربون ، ولهم مكانة وجسور مع الاسرة الحاكمة " .

 

 

أخي عيسى بشارة أرسل رسالة يقول " وزعوا عيش "!!

   " أخي عيسى بن يعقوب بن بشارة  نوخذة له شهرته، وهو تاريخ وعبر المحيط 26 مرة من الهند الى أفريقيا ، وأتقن عدة لغات منها السواحيلي والهندي والفارسي ، وأثناء الحرب العالمية الثانية السفن الإنجليزية انشغلت بالحرب ، وأخي عيسى  استغل الوضع ، وراح ينقل الخيول للهند ، وأتذكر حكايات عن أخي النوخذة عيسى بشارة ، ففي عام 1943 م وهو في السفينة بعرض البحر ضربتهم عاصفة في الليل،  وراح يريد أن يساعد البحارة ، وأختل توازنه وسقط في البحر وكان في المحيط ، وراح يسبح ثماني ساعات ، واكتشف البحارة أن النوخذة غير موجود ، وكان في السفينة دائما "ماشوه" وهي قارب صغير، وكذلك "الكيك" وهو قارب صغير ، لهذا راح البحارة ومنهم المجدمي محمد المسباح الذي قاد الماشوه مرة ثانية يبحثون عن النوخذة ، وعثروا على عيسى حياً بعد ثماني ساعات يسبح في البحر الهائج ، وكانت معجزة الهيّة، لأن السفينة لا تستطيع الإبحار إلا بوجود النوخذة، وكان البحارة يبكون عند الحدث وعند  فقدهم  له  ، و والدي يعقوب لم يكن في الكويت في حينها ، ولم يعلم عن غرق أخي ، وعندما وصل عيسى لبُمبي ، أرسل لنا رسالة  أنا قرأتها لأمي تقول :" أنا وقعت من السفينة و وزعوا عيش "، وبعدما رجع شرح للناس تفاصيل الحادثة ، وكذلك حكى محمد المسباح تفاصيل ما حدث عند عودتهم ، والحادثة الثانية حكى لي أخي عيسى قال : "في البوم ، بوم فتح الخير وكان محمل من بومبى إلى أفريقيا ، وبدون مُقدمات وقف البوم وضرب صخر ، الآن إذا ما صار مد وحمل البوم،  فهذا يعني البوم أنتهى ، وكان يحكي لي السالفة ، ويشعر بألم لأن اذا لم يتحرك يعني انتهى البوم ، وكذلك أخي عيسى كان حريص فإذا وصل زنجبار،  يدخل بسفينته بنفسه في النهر لجلب "الندل" بينما نواخذة آخرون يرسلون المُساعد يَدخل بالسفينة داخل النهر "  

أول تعليمي بالمدرسة المباركية

  " أول التحاقي بالتعليم كان في المدرسة المباركية ، أعتقد من أعوام 1943م/1944م حتى 1955 م، وكان المدرسون مصريين ، وفي ذلك الوقت أنا كنت الولد الوحيد في البيت ، والوالدة تدير البيت ، وما كان أحد يسأل درست أو ما درست ، الوالد والجد كانوا مشغولين وجهاد في الحياة ، وفي عام 1955 م التحقت بثانوية الشويخ سنة واحدة وأكملت الثانوية ، وكان عدد الطلبة بالمباركية محدوداً جداً ، عيال بهبهباني وعيال الغانم وعيال العدواني والسديراوي وعيال الشلفان وعيال الطحيح ، وأذكر دخلت الكتاتيب سنة واحدة عند الشيخ حمادة ، وفي مدرسة المباركية الحكومة بدأت تهتم بالتعليم ، وكان هناك طابور ، ونجلس على مقاعد ، وكانت المناهج بسيطة نحفظ سيرة عمر بن الخطاب والشعر العربي وتاريخ ، لكن للأسف ما كان هناك ذكر لتاريخ الكويت ، ولا نسمع عن حكام الكويت ،وكانت  مناهج مصرية ، تاريخ مصر وعن النيل ، وأذكر كنا ندرس كم مدرسة بالقاهرة !!، ولم نسمع بالشيخ مبارك الصباح ، وأذكر من المُدرسين ملا راشد السيف وملا عبدالمجيد  ، وأكملت سنة بثانوية الشويخ ، وابتعثت إلى القاهرة ، جامعة القاهرة كلية الآداب ، وأنا أحب الأدب والشعر والخيال والكتابة والقراءة ، وأكملت اربع سنوات وكنت أميل للتدريس "

وعدت للكويت لألتحق بسلك التدريس

"ورجعت للكويت والتحقت بثانوية الشويخ عام 1960 م كمُدرس لغة انجليزية  لسنة واحدة فقط ، ورغم أنني حديث في التدريس ، لكن لم أكن أملك فنون التدريس ،ومن دون مُقدمات تم تعييني وكيلاً ،حيث كانت الثانوية بحاجة لكويتي للأشراف على الطلبة وانضباطهم ، وأنا كان لي مقدرة على التعامل مع الطلبة ،وأنا مواطن وأعرف الطلبة"

وزارة الخارجية جذبتني

    "وبعد سنة من العمل بثانوية الشويخ قدمت للعمل بوزارة الخارجية عام 1961م ، حيث كانت الوزارة بحاجة لدبلوماسيين مع استقلال الكويت ، وأرسلونا إلى اكسفورد لدراسة القانون الدولي ، وكان معي في البعثة نوري عبدالسلام وأحمد النقيب ويوسف الخرافي ووقيان الوقيان وعبدالحميد البعيجان ومحمد الحربش المطيري وجاسم بورسلي وسعيد شماس والبعض اصبحوا سفراء فيما بعد ، الدورة كانت سنة ونصف ، وأرسلت لسفارتنا في تونس ،لأني كنت أميل لتعلم اللغة الفرنسية ، لكن أعتذرت حيث أصبت بحساسية بالجلد هناك ، وأُرسلت إلى إنجلترا وبعدها رجعت للكويت ، وفي عام 1963 عُين الشيخ صباح الأحمد وزيراً للخارجية ، وأصبحت مساعداً لمدير مكتب الشيخ صباح بعد أن تم نقل مدير مكتبه عادل جراح للخارج للندن ، وأصبحت مدير مكتب الشيخ صباح منذ 1964م ، وبعدها في سبتمبر 1971م ، تم التعيين ممثل الكويت الدائم في الأمم المتحدة ، وكان هذا المكان الذي كنت أبحث عنه ، وعشت هناك عشر سنين ، والحقيقة أنا الذي طلبت من الشيخ صباح الأحمد الذهاب لذلك المركز في الأمم المتحدة فقال لي : " أنت متأكد بتروح ..روح إذا مليت إرجع  " وعملي هناك كان مدرسة لي ، وتمكنت من إدخال الكويت مجلس الامن ".

انضمامي لمجلس التعاون الخليجي كان لها حكاية

    " أما دخولي مجلس التعاون الخليجي  فكان حكاية أخرى ، ففي عام 1979م  حدثت حالتان أثرت على الكويت وعلى المنطقة ، الأولى الثورة الإيرانية والثانية كامب ديفيد ،وكامب ديفيد رافقه تطرف راديكالية النظام العراقي ، وعقدت قمة في بغداد ، وكانت قمة ؛ الحقيقة فيها توبيخ وتهديد على الدول التي تتردد في تبني الموافقة على القرارات الراديكالية الذي فيها عقوبة لمصر وطرد مصر من الجامعة العربية ، فكانت الأجواء غير مريحة لرؤساء الدول ، وهذا خلق جو أزمة ، وفي عام 1979 م كانت هناك قمة عربية تنموية بالأردن وجلس الشيخ جابر الأحمد مع حكام الخليج وقال ما هو رأيكم  ننظم حياتنا فمصالحنا واحدة وأنظمتنا واحدة ، وعندنا شرعية تاريخية لنحافظ عليها ، كان رد الخليج الموافقة وطلبوا من الكويت أخذ المُبادرة ، وعمل مقترح ، وأنا ما زلت بأمريكا ، وفي عام 1980م  تمت مباحثات على النظام الأساسي لمجلس التعاون والأفكار ، وتم الاتفاق أن يكون هناك شيء بسيط ، ولا نريد دستوراً مُعقداً ،إنما تجمّع أساسه تعاون وتكامل وتنسيق وتلاقي و الوصول إلى تنظيم وحدتنا ، وقدمت الكويت ورقة بهذا الخصوص ، وفي فبرير عام 1981 م في الرياض تمت الموافقة على الورقة ، وهنا استدعاني الشيخ صباح الأحمد من أمريكا ، ولم أكن أعرف السبب ،  وعدت في مارس ،وفي أول إبريل أبلغني الشيخ صباح بأننا سنذهب إلى موسكو أنا و معنا عدد محدود من الفنيين ، وكان الهدف من زيارة موسكو هو إبلاغ الدول الكبرى ، وكان الشيخ لديه منظور أن نبلغ تلك الدول الكبرى ونقول لهم إن لدينا مشروعاً كبيراً سيُعلن عنه وهو مجلس التعاون الخليجي ، ونريد دعماً من  الدول الكبرى ، والدول العربية قام الشيخ صباح بإبلاغها مسبقاً لم يستوعبوا الفكرة ، لكن لم يمانعوا ، وعند وصول الوفد لموسكو كان اللقاء مع وزير الخارجية جروميكو ، وشرح الشيخ صباح بتفصيل أن مجلس التعاون سيقوم واهدافه كذا وكذا ، جروميكو رد على الشيخ وأنا أجلس بجانبه : " إذا مجلس التعاون يسلك السلوك الكويتي سندعمه واذا سلك سلوك آخر لن ندعمه" ورد الشيخ صباح وقال : "أطمنكم " ، وبعد عودة الوفد طلب مني الشيخ صباح أن أسافر إلى الخليج  و أبلغ المسؤولين عن ما جرى في موسكو ، وهنا ظهر اسمي على الساحة ، وكان أول لقاء في الرياض مع الأمير سعود الفيصل ، وسعود الفيصل دبلوماسي مكتمل بامتياز،  وأمير بامتياز،  وإنسان بامتياز ، وشرحت له ما حدث في موسكو ، ورحب بالفكرة والزيارة،  وبعدها توجهت للبحرين وقابلت الشيخ محمد مبارك وزير الخارجية ، وبعدها إلى قطر فقابلت أحمد بن سيف بن ثاني وقابلت في الامارات راشد بن عبدالله وفي عُمان قابلت قيس الزواوي وكان وزير خارجية ،وكان الترحيب من الجميع، ولكن اتضح لي أن اسمي كان مطروحاً كأمين عام مجلس التعاون الخليجي ، وكان الشيخ صباح الأحمد قد تحدث مع حسني مبارك الذي رحب وكان صديق الخليج ، وكذلك بلغَ الولايات المتحدة  والكل رحب ، لكن في ذلك الوقت قد سقطت الثورية والشعارات في كل البلدان العربية ما عدا بالعراق وسوريا وليبيا ، وفي 24 مايو 1981 م كان أول افتتاح لمجلس التعاون وأقروا الوثيقة البسيطة ،و تعييني كأمين عام لمجلس التعاون ،وطلبوا مني قراءة البيان الختامي ، وبقيت كأمين عام لمجلس التعاون لمدة 12 سنة ، والمقر كان في الرياض وأنا حبّيت الرياض وأهلها " .

_____________

   *صدر للأستاذ عبدالله بشارة إصدارات منها كتاب (مشاهدات عبدالله بشارة بين الخارجية والأمم المتحدة )وكتاب ( الغزو في الزمن العابس ) و( عامان في مجلس الامن ) وكتاب " بين الملوك والشيوخ والسلاطين

 (1)عيسى يعقوب بشارة (1919-2020 ) نوخذة كويتي له تاريخ طويل مع البحر . 

 

الأربعاء، 2 فبراير 2022

 

مقال أقبال الأحمد عن كتاب حمد الحمد ( بين الصلاتين ومسجد مول )

في جريدة القبس 22 يناير 2022

أستأذن الأخ الفاضل الكاتب حمد الحمد بأن أستعير اسم كتاب له صدر قبل عامين بعنوان (بين الصلاتين ومسجد مول) ليكون عنوان مقالي اليوم، وذلك لإعجابي به.

ما ورد في الكتاب الجميل اختصار لمجموعة من الأسئلة والتساؤلات وكم من الاستغراب لظواهر وواقع نعيشه اليوم. هذا الكتاب هو إعادة فهم وقراءة ‏لفكرنا الديني والمجتمعي في الكويت من الداخل.

‏سأختار في هذا المقال عدداً من الفقرات التي تباعدت بينها الصفحات والمحتوى، إلا أنني رأيت فيها دلالات مباشرة وتعبيراً جميلاً لذا سأنقلها حرفياً حتى أحافظ عليها.

‏يقول: …الحقيقة الواضحة للعيان أن المسجد كان مؤسسة مهمة في المجتمع لم تتغير ويتطور دورها كما تطور المجتمع.

لقد تغيرت نواحٍ كثيرة في حياتنا سواء في النواحي التعليمية أو الصحية أو العلمية أو مستوى الحياة إلا أن مؤسسة المسجد باقية تدور في حلقة منفصلة عن الواقع.

‏وقد أعجبني اقتراح نقله الكاتب في كتابه عندما ‏دعا.. إلى قيام المسجد النموذجي؟ وهو أن يتم دعوة شخصيات بالمسجد مثل رئيس مخفر شرطة المنطقة ليتحدث عن المشاكل الأمنية في الضاحية في يومٍ،، وفي يومٍ آخر يتم دعوة دكتور من المركز الصحي ليحدث المصلين مثلا عن مشاكل مرض السكر، وفي يوم ثالث يأتي مدير المدرسة الثانوية للتحدث عن مشاكل الأبناء في المدرسة.. ثم يتم دعوة مسؤول في البلدية مثلا أو بيت الزكاة أو اي شخصية قانونية لشرح بعض القوانين لرواد المسجد من الأعمار والفئات والشرائح كافة.

‏ومن أكثر الفقرات التي شدتني هي التي تكلم فيها عما ورد في كتاب ماري أليسون وهي عبارة عن مذكرات لدكتورة أميركية عملت في المستشفى الأميركاني وعاشت في الكويت من الثلاثينيات إلى الخمسينيات من القرن الماضي، حين قالت.. إن بعض نساء الكويت طلبن أن يكون هناك قانون يمنع التحجب او غطاء الوجه كما حدث في تركيا وإيران في فترة من الفترات، وكان رد نائب الحاكم آنذاك وهو الشيخ عبدالله السالم رداً عقلانياً.. حين قال؛هذا الأمر تقرره النساء بأنفسهن وليس نحن.. فتذكرت حالنا اليوم في ظل تدخل ‏من يعنيه ومن لا يعنيه بأمور كثيرة تخص المرأة وحريتها الشخصية في حياتها اليومية..

‏ونبه الكاتب حمد الحمد محذراً من مخاطر ما نعيشه اليوم، حين قال: لو تجولت في أروقة جامعة الكويت اليوم لوجدت طالبة سافرة بجانبها المحجبة وهناك من تلبس العباية وأخرى تلتزم النقاب، ومع هذا لا تجد استغراباً في ذلك بل شكلاً من حيوية الديموقراطية التي تعطي الإنسان‏ أن يشكل حياته الخاصة بعيداً عن تدخلات حكومية أو جهات أخرى، إنما تترك للمجتمع أن يشكل نفسه بنفسه على ألا يتعارض ذلك مع قوانين البلد

‏اما ما أحب أن أتوقف عنده في هذا المقال، هو ما كتبه الكاتب حول أسباب تقدمنا في فترة الخمسينيات إلى أواخر السبعينيات قائلاً:..كانت تعيش الكويت في فترة عصر ليبرالي شامل بمعنى الكلمة، حين كان النظام ويقصد الحكومة.. حكومة ليبرالية تتجه نحو التنوير، وكان مجلس الأمة غالبيته ليبرالي التوجه، إذ لم يكن هناك تناقض بين الحكومة والمجلس في تلك الفترة، وكانت الأهداف والتوجهات متقاربة، لهذا كانت الإنجازات بينة وفي مسارها الطبيعي.

‏وإجابة عن سؤال يطرحه بعض الناس في كل مكان اليوم.. لماذا توقف العصر الليبرالي في الكويت؟ فإجابته على لسان الكاتب الحمد كانت منطقية حين كتب: «إن التوقف والجمود حدثا لتغيُّر التركيبة السكانية والسياسية عندما اقتحمت الساحة الكويتية في أواخر السبعينيات تيارات دينية سياسية مؤدلجة ومحافظة، وأصبح لممثلي تلك التيارات.. مراكز في الدولة ولهم غلبة في تركيبة أعضاء مجلس الأمة، ولحق بهم بعد ذلك التيار القبلي الذي أفرزته الانتخابات الفرعية وجميع التيارات».

‏وبناءً على ما سبق أصبح (كما يقول الكاتب) هناك تصادم أو تضارب في فكر حكومة الليبرالية والمدنية مع فكر ونهج أغلبية تيارات جديدة محافظة لا تؤمن بالتنوير، وبهذا التضارب… جمد التقدم في مجالات متعددة.

‏ تناول الكاتب بعد صفحات عديدة موضوعاً في غاية الأهمية يستحوذ على جزء كبير من النقاشات والأخذ والرد والتأييد والاعتراض، وهو شرعية الاحتفال في بعض المناسبات وتبادل التهاني بالورود فيها، عندما قال إن إهداء الورود يزيد من فرص العمل ويفتح للكثيرين باب رزق فيها، ‏ثم طرح سؤالاً منطقياً عندما قال: «الوردة ليست بندقية حتى يخاف منها هذا أو ذاك».

ومن الأمور المضحكة بالكتاب أنه في بداية الستينيات روى له أحد الأصدقاء أنه عندما كان طفلاً صغيراً أنه اقترح على والده أن تجلس والدته في المقعد الأمامي بدلاً من أن تجلس في المقعد الخلفي قائلاً: انه على ما يبدو تأثر بالأفلام المصرية حين تجلس بطلات الفيلم بجانب بطل الفيلم على يمينه، حينها وبخه والده فوراً بقوله: «بعد!!!»

بمعنى الاستهجان والاستغراب والاستخفاف ايضا.

كتاب ممتع وجدت في ثنايا صفحاته إجابات كثيرة لتساؤلات ساورتني كثيراً.

***