الأحد، 9 يونيو 2019

لا مدارس بعد اليوم



لا مدارس بعد اليوم !!
كتب : حمد الحمد
Alhamad225@hotmail.com
________
    منذ دراستي في المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة وأنا اعرف أسلوب التعليم بالتلقين ، بمعنى أن تُقدم لك المادة وما عليك إلا الحفظ ، وهذا أسلوب قد يكون في اغلب دولنا العربية، وان كان قد تطور في العقود الأخيرة ، وفي الكويت قبل عهد التعليم النظامي كان هناك ما يُعرف بالكتاتيب حيث تُدرس مواد مُحددة ومنها حفظ القرآن ، وعندما انتقل إلى التعليم النظامي، انتقل نفس الأسلوب وهو الحفظ .
   لا اذكر أننا كنا نناقش المُدرس في أي مادة، ومن يُناقش يُطلق عليه "مُشاغب" ويوبخ على فعلته، وفي عام 1977 كنت في لندن لتعلم اللغة الانجليزية فاكتشفت لأول مرة أسلوباً مُغايراً للتعليم الذي أعهده ، فمن أول يوم دراسي دخل علينا المُدرس ومعه جريدة الصباح، ووزع كم نسخة منها ، وطلب من كل منا القراءة ومناقشة الموضوع الأهم في الصحيفة، وكان في ذلك اليوم خبر عن ولادة أول طفل أنابيب ، فعلاً قراءنا وتناقشنا رغم لغتنا المحدودة ، أهم ما في هذا النهج أن المُعلم ربطك مع الواقع المُعاش وليس مع الماضي ، وفي يوم آخر وكان الفصل في الطابق الأرضي، تفاجئنا إن مُدرستنا أرادت الدخول من نافذة الفصل، وفعلا فتحنا لها النافذة، ودخلت ونحن في عاصفة من الضحك ، دخلت وكأنها تقول ليس فقط أن تدخل من الباب أنما ممكن أن تدخل من النافذة ،وبمعنى أن هناك أساليب مختلفة للتعليم ، وفي الحقيقة كانت تعلمنا أن بالإمكان الخروج من النافذة إذا دق جرس الإنذار .
   أعتقد أن المدرسة أو الجامعة هي كالمصنع ، والمصنع له مُنتجات يطرحها في الأسواق، فإذا كان المُنتج لا يلبي حاجة المستهلك، فلن يشتريه احد وسيبقى على الأرفف ،وهكذا المدارس والمعاهد و الجامعات فأن كانت مُخرجاتها لا تلبي سوق العمل، فاعتقد أن مُخرجاتها ستنظم لطوابير البطالة .
   الهند هي من الدول التي فكرت مُبكرا بالتعليم الذي يخدم المستقبل بعيدًا عن التعليم المُتعارف عليه ، ففي عام 1951 تم تأسيس أول معهد تكنولوجي بالهند ، وحاليا هناك ما يُقارب من 15 معهدا للعلوم والتكنولوجيا ، وتلقى هذه المعاهد قبولاً مقطع النظير ، حيث يتقدم للاختبار سنويا ما يقارب من 400 ألف طالب وطالبة ،ولا يُقبل إلا 7500 طالب ، ولا يخفى على الجميع إن التقدم العالمي في تكنولوجيا المعلومات يساهم  به خريجو هذه المعاهد من الهنود.
  ويذكر أن أفضل دولة في مجال التعليم هي الفلبين، فهي تُدرس وتُدرب ما يحتاج السوق العالمي، فالسوق بحاجة لممرضين وممرضات فتقيم مراكز تدريب تمريض ومراكز تدريب للمهن الوسطى أو المساندة مثل فنيين أشعة وفنيين نظارات والعاملين في محلات التجزئة أو المطارات والفنادق أو من يعمل في المطاعم وفنيين كمبيوتر وحتى خدم المنازل وهكذا ،وهذه المهن تلقى رواجاً في كل أنحاء العالم وخاصة دولنا الخليجية .
   التقيت ذات مرة شاباً يابانياً قال لي أن أهم ما تعلمه بمدرسته هو أن يكتب يوميا وقبل أن يخلد للنوم في مذكرته اليومية كل ما تعلمه وماذا استفاد من يومه ،وهكذا كان يفعل منذ أن عرف الكتابة ، وفي مدارس غربية يطلبون منك حفظ ألف كلمة لتستخدمها عن أجراء مقابلات مع أجهزة الإعلام، والتعليم لم يعد كما هو النهج المُتعارف عليه أن تكون في مكان بين أربعة جدران ومدرس، أنما بإمكانك أن تعليم نفسك في فضاء الشبكات العنكبوتية ، واذكر أن قريبا لي اخذ ابنه بعد أن تخرج من الثانوية لكلية لتدريب الطيران المدني ، وعمل الابن الاختبار، ولكن من اختبره صعق من النتيجة، وقال لوالده ابنك لابد أنه مارس الطيران من قبل، ونفى والده ذلك ، ولكن عَرف أن الابن كان يعلم نفسه بنفسه علوم الطيران عبر النت وعبر الألعاب الكترونية منذ صغره ، الابن عمل بعد التخرج كطيار ووصل إلى درجة مدرب طيارين طائرات البوينغ حالياً ، وفي احد البرامج شاهدت شاباً أمريكياً يقيم بأمريكا يتعلم العزف على العود من قبل مُدرس مصري يقيم في القاهرة ،وكان التعليم عبر موقع سكايب بالصوت والصورة ، وحاليا بإمكانك تعلم أي لغة بالصوت والصورة عبر اليوتيوب ومجاناُ .
   الأمم المتقدمة تعتبر التعليم في مقدمة أسباب النهوض بالأمة ، ويروى أن الجنرال ديغول عندما عاد لباريس بعد الحرب العالمية لم يسأل عن وضع الاقتصاد أو البنية التحتية، أنما سأل عن  وضع الجامعات وعندما عَرف أنها بخير فرح لان الجامعات هي من ستخرج جيل يقود المجتمع بعد الحرب ، وفي كتاب العالم ستيفن هوكينغ (1942 - 2018) حيث يروي عبر مذكراته الذاتية معلومة مُهمة تدل على أن الأمم المتحضرة تضع التعليم في مرتبة أولى حتى في أحلك الظروف، فيقول في بداية كتابه " أن الألمان خلال الحرب العالمية الثانية ابرموا اتفاقاً مع الانجليز ينص على أنهم لن يقوموا بقصف اكسفورد وكامبريدج وهي المدن الجامعية في مقابل ألا يقصف البريطانيون مدن هايدلبرج وغوتنغن " .
  وقد شركات علوم تكنولوجيا المعلومات غيرت مفهوم التعليم بشكل غير متصور ، فإحدى الشركات الكبرى لم تعد تطلب شهادتك أنما تود معرفة قُدراتك ، وشركة أخرى كتبت في موقعها لمن يطلب العمل لديها " لا حاجة لان تُقدم طلب عمل لدينا، نحن نعرف عنك كل شيء !!" .
   وفي إحدى صحفنا المحلية كان هناك عنوان لأفت للنظر وهو " لا مدارس بعد اليوم ، وزراعة عقل "جوجل" تُلغي التعليم " ، حيث أوضح احد خبراء مجال تكنولوجيا الذكاء الصناعي أن لا حاجة إلى التعلم على طريقة الببغاء ، كما كان المرء يتعلم سابقاً ، وان الذكاء الصناعي سيحرر عقول الناس ويدفعها للتفكير بوسائل مبتكرة وجديدة ،وهذا سيزيد ذكاء الإنسان ، وان "جوجل" سيصبح داخل أدمغتنا وعقولنا ، حيث سيصبح بإمكان المرء أن يسمع إجابة أي سؤال يطرحه على نفسه .
_________________
مرسل لمجلة الكويت ، كتب في  4 ابريل  2019 ، ونشر في مجلة الكويت عدد يونيو 2019