الاثنين، 29 أغسطس 2022

عبدالرحمن الغنيم .. فقدت الكويت مواطنا نادراً

 

 

عبدالرحمن الغنيم .. فقدت الكويت مواطناً نادراً

كتب : حمد عبدالمحسن الحمد

في رثاء المواطن الصالح

   يوم 17 أغسطس 2022 م، صباحا وصلتني رسالة من صديق تفيد بوفاة شخصية لها مكانتها في المجتمع الكويتي وهو الأستاذ عبدالرحمن الغنيم الوزير وعضو مجلس الامة الأسبق رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، تأسفت على سماع الخبر ، ورغم أن معرفتي به محدودة ، إلا أن له مكانة في قلبي ، حيث كنا نلتقي أسبوعياً كل مساء يوم جمعة في ديوان البَحر في الشويخ لعدة سنوات ، ولكن بعدما اجتاحت جائحة كورونا العالم ، تباعد الناس بسبب الحظر الكلي ، ولم نعد نلتقي .

   و في عام  2021  م ، كنت قد بدأت بأعداد  مادة كتاب بعنوان " الكويت في زمن الاربعينيات والخمسينيات .. شهادات وشهود " حيث قابلت 51 شخصية كويتية عاشت المرحلة الانتقالية من الاعتماد على الغوص وتجارة اللؤلؤ حتى الانتقال الى عصر ثروة الموارد النفطية، حيث حدثت تغيرات اجتماعية واقتصادية في مجتمعنا ، وكانت تلك الشخصيات شهود عيان على زمن التحول، ومن الشخصيات التي أجريت معها لقاء السيد عبدالرحمن الغنيم ، وقد صدر الكتاب لاحقا في يناير عام 2022 م بطبعته الأولى عن دار الفراشة بالتعاون مع مكتبة راكان " العجيري سابقا".

   فعند اتصالي الأول بأبو هيثم في يوم الثلاثاء الموافق 29 يونيو 2021 م  تردد بسبب كورونا ، وأفاد أنه لا يخرج من المنزل لظروفه الصحية  ، فعرضت علية ان يكون اللقاء عبر حوار صوتي مُباشر عبر الواتس اب و رحب ووافق في الحال ،.

  عبدالرحمن الغنيم أبو هيثم ، من الشخصيات التي رسمت نجاحات في حياتها المهنية وفي الحياة السياسية ، وعمل بصمت حيث تبوء منصب وكيل وبعد ذلك وزير لوزارة المواصلات ، ودخل الحياة البرلمانية كنائب ، حيث سار على خطى والده خالد الغنيم الذي اصبح رئيسا لمجس الامة في فترة السبعينيات ، وهو يتمتع بتلك السمعة الطيبة حيث طوال حياته كان بعيداً عن اية تجاذبات سياسية ، أو تشابك مع أية اطرف أخرى ، لهذا صفحته بيضاء ناصعة ، وفي الديوان حيث كنا نلتقي معه كان قليل الكلام، وإن تحدث لا يغتاب أحد ، وان قدم الرأي كان مختصراً وبالصميم وبدون استرسال .

   ولكن قد يكون هناك من هو اكثر مني  معرفة  بابو هيثم وقرباً،  حيث كتب الأستاذ عبدالله بشارة في رثاءه في مقاله بالقبس عدد  21 أغسطس 2022 م، كتب : " فقدت الكويت مواطناً نادراً في نزعته الإنسانية ، متجاوزاً الاجتهادات في المواقف ، متعالياً على الصغائر،  باحثاً عما يجمع ، مترفعاً عما يسيء ، ناقلاً جودة الاخلاق مؤمناً برسالة الكويت وتضامن أبنائها ، لا ينسى أحد  مساهمته في مؤتمر جدة ، لقد ترك سجلاً أخلاقياً عطراً ، يروي سيرته في العيش بالقيم العالية ".

    وفي مقال للدكتور عادل العبدالمغني وهو يرثي أبو هيثم  كتب : " والأهم والذي لا يختلف عليه اثنان لا تجد لدى أبوهيثم اية خصومات كانت مع أحد ، وحتى وقت عضويته في مجلس الامة ، فكانت علاقاته وديه مع الجميع رحمه الله ".

   وكتب الدكتور عبد المحسن حمادة مقال في القبس عدد 24 أغسطس يرثي ابوهيثم كتب " عبدالرحمن الغنيم أحد رجال هذا البلد الطيب ورمز من رموز الخير ، أحب بلده واخلص في كل عمل قام بأدائه ، واثبت في حياته العملية نجاحا في اتقان عمله وحسن تعامله مع الناس ، وقد ينطبق عليه قول زهير " تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله " رحمه الله .

   وكتب الأستاذ عبدالمحسن الحسيني في جريدة الانباء عدد 19 أغسطس 2022 ،  " كان عبدالرحمن الغنيم رحمه الله سباق في كل عمل وطني ، كان يتفانى في خدمة ومصلحة الكويت والكويتيين ، لقد كان أمينا عاما للمؤتمر الشعبي للشعب الكويتي الذي عقد في المملكة العربية السعودية أثناء الغزو، لقد حرص على ان يكون أحد القادة الذين تولوا مسؤولية الدفاع عن الشرعية الكويتية " .

      وفي مقالي هذا انقل ما جاء على لسان شخصيتنا عن اللقاء الذي تم معه ، ونشر في كتابي آنف الذكر ، وهو يتحدث عن بداياته بفترة الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات الفترة التي اطلقنا عليه فترات التحول ، وما سيأتي نقل من كتابي وجاء هكذا على لسانه رحمه الله ، وهو يُعرف بنفسه والكلام بين اقواس :

عشت في فريج غنيم

  ( عبدالرحمن خالد صالح غنيم سليمان الغنيم ، من مواليد أواخر عام  1937م ، والمولد  في فريج غنيم بحي جبلة في بيت العائلة الأول، ومقابل نقعة غنيم ، ، وكان معنا جدي صالح الغنيم بالبيت ، وكانت تجارته بالبحر وكانت وفاته في الستينيات ، وكان من جيراننا المباركي وبيننا وبينهم "فرجة" ، ، وبعد ذلك الوالد اشترى لنا بيتاً في فريج السبت ، وكان بيتاً كبيراً ، مكثنا فقط سنة في ذلك البيت وحدثت سنة الهدامة ، واذكر ملا سليمان الخنيني وعبدالله ، وكان عندهم مدرسة كتاتيب ، مدرسة ملا سليمان الخنيني ، وكنت مع أخي سليمان كنا ندرس عند سليمان الخنيني حيث أغلب دراستنا بالكتاتيب ، لأن جدتي لم تكن ترضى أن ندرس في مدارس نظامية ، ولكن والدي أخذ قراراً ونقلنا إلى مدرسة حكومية نظامية )

سُميت على عمي الذي توفى بالبحر

   ( وسمعت من الأهل أن عمي عبدالرحمن كان في رحلة سفر بالبحر ، وفي أثناء عودتهم حدث طوفان في الليل  والبحر أمواجه عالية ، وطلب النوخذة من أحد البحارة أن يصعد ، وراح عمي عبدالرحمن يربط الحبال بالدقل ، لكن قوة العاصفة رمته داخل البحر وتوفي ، وبعد وفاته تم إطلاق اسمه علي،  لهذا حملت اسمه "عبدالرحمن"،  وعمي عبدالرحمن تزوج  ولكن لم يكن له ذرية ، لهذا بعد وفاة عمي عبدالرحمن بالبحر جدتي حرْمت ان يدخل والدي البحر بعد ذلك ، لكن والدي دخل البحر ) ..

والدي اشترى وايرات الكهرباء لتصل بيتنا ، فوصلت لكل الجيران

   ( حكاية دخول الكهرباء لبيتنا كان لها قصة ، وكان ذلك عام 1948 م، وكانت شركة الكهرباء أهلية مملوكة لعبدالله الملا ، وكنا نسكن في فريج السبت وماكينة الشركة في الدهلة قرب ساحة الصفاة ، وراح والدي وطلب إيصال الكهرباء لبيتنا بالدهلة ، وكان رد الشركة أنه لن يتم التوصيل إلا بتزويد الشركة بوايرات نحاس ووافق والدي ، واشترى ربطات النحاس بعد أن طلبها و وصلت من لندن ، وتم التمديد من الدهلة من قبل الشركة ، ومرت التوصيلات والوايرات واعمدة الشبات من الصفاة مركز الماكينة ، ومرت على سوق الدهلة و سوق واجف وبمحاذاة المقبرة القديمة حاليا حديقة البلدية حتى وصلت الكهرباء لبيتنا ، لكن الذي حدث أن تم توصيل للبيوت التي بالطريق ، وهنا قل وضعف التيار في بيتنا ، وراح والدي اشتكى للكهرباء وقال : " انا ألحين أشتري الوايرات وتمدون لكل الشارع وتالي تضعف الكهرباء عندنا ما استفدنا شي " وتم حل الإشكال واستفاد الجميع وكان ما عمله خير وبركة للجميع ، وكان عند الوالد راديو كبير على البطارية ، وكان يضعه في غرفه خاصة ، ويغطيه بقماش حتى لا تعثر عليه والدته هيا الوقيان لأنها ما كانت ترضى بالراديو لأنها  تعتبره سحراً ) .

والدتي لم تكن تقتنع بالتعليم النظامي وأدخلتني الكتاتيب

  ( أما بالنسبة للتعليم كان تعليمنا لفترة أنا وأخي سليمان عند  المطاوعة الكتاتيب ملا سليمان الخنيني حتى بلغ عمري ست سنوات ، لأن والدتي لم تكن تقتنع بالتعليم النظامي،  وترفض أن نتعلم في المدارس النظامية ، لأنها تعتبره تعليم كفار لا يدرسون الدين ، هذا كان اعتقادهم في ذلك الزمان ، لكن تغيرت الظروف و الوالد قرر أن ينقلنا إلى مدرسة الروضة المستقلة ، كان ناظرها عقاب الخطيب ، احتمال التحقنا عام 1946م أو 1947 م، وعندما التحقنا وضعونا في الصف الثاني ،لأننا متقدمون وحافظين قرآن وباللغة متميزون ، وكان الأستاذ عقاب الخطيب هو الناظر ، وكنت جداً قريباً منه كابنه ، وكان يأخذني معه بالتمثيل ومثلت معه على المسرح ، وفي تلك الفترة إذا تميزت بالدراسة ينقلونك للفصل التالي ، وبعدها انتقلنا مؤقتاً للمدرسة الأحمدية لأن مدرستنا كان بها إصلاحات ،وكان بالأحمدية الأستاذ عبدالملك الصالح ، ومدرستنا الروضة المستقلة  كانت بيت ملك للسيد خلف النقيب وكانت ملاصقة للمدرسة القبلية للبنات ، وبعد ذلك عام 1948/1949  انتقلنا إلى  مدرسة المباركية مرحلة ابتدائية سنة أولى ابتدائي ، وانتقلنا للمدرسة القبلية للبنين في الصالحية وأكملت ثانية وثالثة ورابعة ، وكان من المدرسين معجب الدوسري وكان مُدرس الرسم ، وكان موقع المدرسة خلف المقبرة ، وحالياً مكانها محل السرحان وخلف مبنى المعارف سابقاً ، وحصلت على الشهادة الابتدائية ، وكنت أساهم بنشاط بمجلة الحائط وكان معي أحمد النفيسي وكنت في نشاط الرياضة بالفريق الخاص والكشافة ، وكنت متفوقاً ومن الأوائل في فصلي، ورجعنا الى المدرسة المباركية أولى ثانوي 1951/1952 م، وبعدها انتقلت إلى ثانوية الشويخ عام  1952 / 1953 م وكانت في بداية افتتاحها ، ، لكن للأسف كنت في آخر سنة يفترض أن أكون الأول على الثانوية ، لكن حصلت على درجة منخفضة بالدين ، لهذا لم أحقق المركز الأول ، رغم أنني في كل المواد حققت نتائج عالية ، وكنت متخصصاً بالعلمي ومُتميز بجميع المواد ، وكان مدرّسي زهير العلمي ،وكنت متفوقاً بالرياضيات ودرجاتي كانت عالية ، لهذا تخرجت عام 1956/ 1957 م، وابتعثت إلى أمريكا عام 1957/ 1958 م ،وكنا اول بعثة لكاليفورنيا ، وأمضيت هناك أربع سنوات تخصص هندسة كهربائية )

  ( بعد التخرج عُدت للكويت وعملت في وزارة البريد والبرق والهاتف ،وتركت الوزارة بعد أن أديت واجبي وتطورت الاتصالات في عهدي كوكيل وزارة ، وقررت دخول الانتخابات ، وفزت في مقعد في مجلس الامة بدائرة الضاحية عام 1985 م، وبعد حل المجلس بعد سنتين ،  تم اختياري كوزير دولة للشؤون البلدية )

كان مجتمعنا بالسابق مجتمعاً تعاونياً والبيوت مفتوحة على بعض

  ( المجتمع الكويتي  بالسابق كان مجتمعاً تعاونياً تكافلياً  مُحباً للمعرفة ، وكان بيتنا على بيت العدواني على بيت الزمامي كانت بيوت مفتوحة،  يقول لي المباركي كان بيتنا وبيتكم بيننا "فريه" ، كنا صغاراً ندخل على بيوت الجيران كأننا أهل ، وكانت المرأة لها دور كبير في المجتمع من خدمة البيت إلى التربية ، حيث تقوم بكل الأدوار ، وكانت بالليل الجدة تحازينا حزاوي عن الطنطل ، وحمارة القايلة من أجل التسلية ليس إلا ) 

  تلك مقاطع من الحوار الذي تم بين كاتب هذا المقال وبين شخصية نادرة ، خدم بلده بصمت وغادرنا عبدالرحمن الغنيم تاركا أرث يفتخر به بلده وشعبه رحمه الله .

_________________________________