إعادة التفكير..قراءة في فكرنا الديني والاجتماعي 3
ثالثا: المسجد والعزلة داخل الواقع !!
بقلم : حمد الحمد
______________
في عام 1986 قضيت عطلة الصيف مع العائلة في عمان العاصمة الأردنية , واستمتعت بالإجازة , لكن ما زلت اذكر أمر لفت انتباهي ففي احد المساجد وكعادتي قبل قدوم خطيب صلاة الجمعة التقطت كتاب من احد الرفوف , ولكن الذي أثار استغرابي أن الكتاب لم يكن مصحف أو تفسير للقران أنما كتاب في الجيولوجيا وكتاب أخر في العلوم , استمتعت بالاطلاع حتى بدء الخطبة.
هنا لا اذكر موضوع الخطبة ولكن ما زلت اذكر ذلك الكتاب فلم اعتاد ا ن أجد كتب غير الكتب الدينية في مساجدنا في الكويت وعموم مدن الخليج , واعني ذلك المسجد في عمان الذي حاول أن يربط المسلم بعالمه الواقعي ولا يقبع في عزلة إجبارية .
هنا هل المسجد في حياتنا كمسلمين يقوم بدوره ويتعايش مع العصر أم ما يزال يعيش في عزلة عن الواقع المتحرك بسرعة حوله , اعتقد ما زال يقبع مع الماضي ما زال يعتقد أن الدور الرئيسي له هو أداء الصلوات أو جمع تبرعات أو دروس دينية أو فقهية يتعارض بعض محتواها مع قوانين الدولة , لهذا هنا إصرار في واقع انعدام التعايش مع ما يحدث حوله .
لكن نجزم أن تعايش المسجد مع الواقع فقط في الأمور المادية الظاهرية من هياكل ومباني على احدث تصميم هندسي وإضاءة حديثة وديكورات جميلة وميكرفونات وسجاد وغيرها من مخترعات استطاعت أن تنفذ داخله بسهولة ويسر وهذا أمر جميل , أما عدا ذلك فأن المضمون الفكري بقى مجمد أو هو يتعايش مع الماضي وليس مع الحاضر .
قبل قرن من الزمان لم يكن الوضع هكذا , فكان المسجد مركز مهم حيث تقام الصلوات وحلقات لشيوخ دين كبار داخل أروقته , وكان يدرس فيه الأولاد والشباب و يتخرج منه المئات , ولكن بعد التغيرات في المنطقة وظهور التعليم الحديث والمدارس النظامية والانفتاح على العالم , سحبت منه مهنة التعليم وبقى دوره محصور في أداء الفروض , عدا خطبة الجمعة التي غالبا ما تدور حول أمور لا تبتعد عن النواحي الدينية .
الحقيقة الواضحة للعيان بأن هذه المؤسسة المهمة في المجتمع لم تتغير أو يتطور دورها كما تطور المجتمع , لقد تغيرت نواحي كثيرة في حياتنا سواء في النواحي التعليمة أو الصحية أو العلمية أو مستوى الحياة , إلا مؤسسة المسجد بقت تدور في حلقة منفصلة عن الواقع ,تغيرت شكلا و ليس مضمونا.
عندما تجلس على أرضية المسجد كل جمعة وتستمع للخطيب يتأكد لك انه ما زال يعيش في عالم قبل عدة قرون مضت ,فإذا تحدث عن الأمانة والصدق يقدم مثالا من عهد الصحابة والتابعين وكأن في مجتمعه المعاصر لا يوجد نموذج للأمانة , وإذا تحدث عن الحروب فيذكر الغزوات رغم أن عالمنا قد تغير فذكر الحروب تحكمه معاهدات ومواثيق , و إذا تحدث عن البذل والعطاء فلا يتحدث عن مواطن في منطقته شيد على نفقته مركز صحي على أحسن بناء أو مواطن أخر تبرع بآلاف الدنانير لجمعية خيرية , وهو يتعمد عدم ذكر الأسماء خشية أن يكون الباذل للخير ليبرالي وهو يكره الليبرالية., وفي خطبة هذا الأسبوع في المسجد الذي أصلي راح الخطيب بجهل يسب الديمقراطية والمجالس المنتخبة رغم إن كيان الدولة التي يتقاضى راتبه منها تقوم على دستور وشكل ديمقراطي منذ عدة عقود .
ما نعنيه أننا نشعر أن المسجد الذي الكل يعتز به ويقدره كونه يجسد رسالة الإسلام الأولى , يعيش في حالة انفصام وقد لا يقوم برسالة تتوازى ما يفترض أن يقوم به من اجل تقديم رسالة أفضل .
قبل عدة سنوات كتبت في هذا الموضوع في جريدة الرأي الكويتية في عمودي الأسبوعي مقال تحت عنوان (بين الصلاتين ومسجد مول ) والمقال أثار أعجاب البعض وكنت قد طرحت عدة أفكار بشأن تطوير رسالة المسجد وجعله يتعايش مع مما حوله .
مقترحي كان نقل الواقع لداخل المسجد بأن يكون في كل ضاحية من ضواحي الكويت مسجد نموذجي , هذا المسجد النموذجي يقوم بدور مهم وهو أن يقدم رسائل حياتية تعقد بين الصلاتين المغرب والعشاء أو بعدها , وهنا يكون لقاء بين المسؤولين في الضاحية مع المصلين من سكان المنطقة , فكل ضاحية من ضواحي الكويت تختلف قضاياها عن الأخرى .
فكرة ( بين الصلاتين ) تتلخص في أن خطيب المسجد غير مؤهل في التحدث عن كثير من القضايا , فإذا تكلم عن المخدرات أو الرشوة فقد يقول كلمة مطاطة وينطق بكلمة (حرام ), ولكن لا يذكر قوانين الدولة التي تجرمها والعقوبات المنصوص عليها في المحاكم , وكذلك قضايا كثيرة لا يستطيع أن يخوض فيها , لهذا كان اقتراحي أن يقوم المسجد النموذجي بدعوة في يوم مثلا رئيس مخفر شرطة المنطقة الذي سيتحدث عن المشاكل الأمنية في الضاحية, وفي يوم أخر يتم دعوة دكتور من المركز الصحي ليحدث المصلين والمصليات مثلا عن مشاكل مرض السكر أو غيرها , وفي يوم ثالث يأتي مدير المدرسة الثانوية ليتحدث عن مشاكل الأبناء في المدرسة , ويتم دعوة كذلك مسئول البلدية أو بيت الزكاة أو قانوني يشرح بعض القوانين وهكذا , وهنا يشعر الناس أن المسجد يساهم بدوره في خلق توعية اجتماعية للرجال و النساء عبر الالتقاء بالأشخاص المختصين مباشرة , وهنا يقدم رسائل مهمة قد تعجز عن تقديمها وسائل الإعلام الأخرى التي غالبا تتحدث بالعموم , حيث كل منطقة من مناطق الكويت تختلف قضاياها عن منطقة .
ولماذا لا يكون في المسجد مكتبة صغيرة بها كتب من شتى العلوم , بهذا المقترح حتما سيزداد تردد واتصال المواطن وخاصة من الشباب بالمسجد كونه يقدم بالإضافة إلى الرسالة الدينية التي يقدمها شيوخ الدين الافاضل رسالة اجتماعية تربطهم بالواقع .
لقد أرسلت مقترحي لوزارة الأوقاف ولكن لم أتلقى إي رد , لكن قد يكون المقترح غير قابل للاستيعاب من البعض خوفا من التغيير أو التجديد الفكري , رغم إننا لا نحبذ إقحام المسجد أو المساجد بالكويت وعددها 1300 مسجد بالقضايا السياسية أو الفكرية المختلف عليها أنما فقط التركيز على أمور حياتية يومية .
وأخيرا هل فعلا مساجدنا في عزلة عن العالم حولها, وهل إن لم تتغير يبقى لها دور هامشي في نهضة المجتمعات .
____________
من مدونة حمد الحمد
السبت 9 يونيو 2012 س 8 ود 54 ص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق