إعادة التفكير 5 – قراءة في فكرنا الديني والاجتماعي
خامساً – تفكيك الأمر والمعروف والنهي عن المنكر
بقلم : حمد الحمد
________________________
0 مع بشائر الربيع العربي انطلقت أصوات تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وذلك لنجاح كاسح للتيارات الدينية في الانتخابات التشريعية في كل من تونس ومصر , ورغم إن هناك عدم وضوح في تطبيق الشريعة واختلاط الكثير من المفاهيم التي تخلط بين الدين كدين مُنزل وبين مفاهيم أخرى هي اجتهادات من مسلمين قد يكون الزمن قد تجاوزها .
لهذا هناك تخوف أن تكون رياح الديمقراطية التي تنادي بدولة مدنية أن تتحول إلى دول دينية ثيوقراطية , وبالتالي يقود ذلك إلى صدام بين فئات الشعب المختلفة على أساس مذهبي طائفي , أو أن يكون هناك احتكار أبدي للسلطة لتلك التيارات الدينية كما حدث في إيران أو حتى في قطاع غزة .
لذا هل مناداة البعض بتطبيق الشريعة هو مؤشر على صدام مستقبلي , قد يكون كذلك حيث إن هناك مؤشرات سابقة في دول أخرى , وليس ببعيد ما يحدث في العراق من صراع مذهبي يودي بكثير من الأرواح نتيجة الصدام داخل النظام السياسي بين الطائفة السنية والشيعية .
أو ما يحدث في نيجيريا عندما قامت جماعة إسلامية وهي جماعة متشددة تدعى ( بوكو حرام ) برفض التعليم الأجنبي , وقاد هذا إلى صدام دموي بين طوائف المجتمع من مسيحيين ومسلمين ومع الدولة , وما زال هذا الصدام مشتعلا وأودي بأرواح لا تعد ولا تحصى , أو ما يجري في أفغانستان من حركة طالبان برغبتها بتنفيذ مفهومها الفكري على المجتمع أو ما يحدث في باكستان لهذا يبدو أن هذا الصدام يصعب إيقافه من قبل الأنظمة .
وقد تكون الكويت قد مرت بأشكال عده لإقحام مفاهيم دينية مختلف عليها إلى نظام الدولة طوال تاريخها , ولكن غالبا ما تخبو تلك المطالبات نتيجة معالجة الأمر وفق الدستور والقانون أو حكمة الحكماء أو عبر رفض المجتمع عبر وسائل الإعلام .
وهنا نتحدث عن ما يجري بالكويت من أفكار قد لا تمر, ومنها ما حصل مؤخرا بالكويت عندما طالب بعض الأعضاء بتعديل يمس الدستور وهو تعديل المادة الثانية بأن تكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع , أو ما تقدم به عدد من الأعضاء بقانون مضمونه أن لا يمر إي قانون إلا أن يتوافق مع الشريعة الإسلامية ولكن صاحب السمو لم يوافق على ما نودي به كونه يمس الدستور ويعتبر تعديل دستوري ويخلق إشكالات للمشرع لاختلاف المذاهب والاجتهادات وقد يخلق فتن داخلية.
وبينما نحن نتحدث عن الوقت الحاضر عن هذه المحاولات من قبل السلطة التشريعية , فأن محاولات عديدة قد حدثت قبل ذلك من قبل السلطة التشريعية في الكويت , وكان أهمها ما حدث في عام 1993 بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي وعودة الحياة النيابية من جديد , حيث تقدم عدد من أعضاء التيارات الدينية بمشروع قانون لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل خمسة أعضاء هم السادة احمد باقر,خالد العدوة, مفرج نهار وشارع العجمي وعايض المطيري وذلك في الأسبوع الأول من رمضان في ذلك العام , وكان من أغراض المشروع إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة السلوكيات الدخيلة على المجتمع ونشر الفضيلة والرقابة على الآداب العامة وغيرها من أهداف تصب في حماية الأخلاق .
ورغم إن المشروع كان في شكل مقترح ولم يعرض على المجلس حيث قوبل من المجتمع الكويتي برفض عبر وسائل الأعلام , فالمجتمع قد خرج للتو في ذلك العام من كارثة الغزو ولم يكن مستعد نفسيا لقبول أفكار قد تكون لها جوانب سلبية أو غير مطبقة في معظم العالم الإسلامي , وقد كتب مقالا في هذا الموضوع نشر على حلقتين في جريدة الطليعة الكويتية تحت عنوان (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..لماذا ) نشر في عدد 5 مايو 1993.
لهذا عندما يثار موضوع تطبيق الشريعة دائما ما يطرح موضوع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حيث يطالب البعض بإعادة تفعيله رغم إن هناك سوء فهم حيث ما يُطالب به موجود على ارض الواقع و مفعل ولو بشكل نظامي و وفق تصور جديد يتماشى مع متطلبات العصر .
التفكيك
وحتى نقدم التصور الجديد , لنعود عن ماهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وهي بلا شك شعيرة راقية تحافظ على الأخلاق وأسلوب التعامل , والدين الإسلامي دين أخلاقي بمعنى ما نهى عنه صراحة دائما له أثارا مدمرة على الفرد والمجتمع ومنها شرب الخمر والعلاقات الجنسية المحرمة التي أثبتت الدوائر الصحية في العالم أنها مسبب رئيسي لمرض الايدز , والخمر تُعرف أضراره الاجتماعية والصحية.
ولكن كيف تم وضع هذه الشعيرة في أطار قانوني لا يمس حرية الناس, ولا يخضع لاجتهادات فردية أو مذهبية , هذا هو لب المشكلة , وحتى نفهم الأمر لنأتي لتعريف ما يسمى بالحسبة , وقد ذكرها ابن خلدون كالتالي :
(أما الحسبة فهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين ,يعين لذلك من يراه آهلا لها , ويتخذ الأعوان ويبحث عن المنكرات, ويحمل الناس على المصالح العامة, مثل المنع من المضايقة في الطرقات , والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة , ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل)
وهذا تأتي الحسبة من قول الله سبحانه وتعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) لهذا الأمر بالمعروف واجب على كل مسلم ,ولكن يأتي كيف يتم تنفيذ هذه المهمة ؟
نخرج من تعريف ابن خلدون لمعنى الحسبة , ونتساءل هل سقطت الحسبة من أنظمة عالمنا الإسلامي أو العربي كما يعتقد البعض , أو فقط هي موجودة في المملكة العربية السعودية على شكل جهاز رسمي أو كما يطلق عليها الأعلام الغربي مسمى مغلوط وهو الشرطة الدينية .
أرى شخصيا أن الحسبة موجودة في الوقت الحاضر ولها دور أساسي في كل عالمنا العربي والإسلامي ولم تسقط أو تتلاشى كما يُعتقد , أنما أتت بشكل جديد نتيجة لظهور الدول الحديثة واتساع العواصم والمدن وتضخم السكان ,
حيث بظهور الدول الحديثة تم تفكيك نظام الحسبة ولم يختفي وقدم بشكل يتوافق مع الواقع الجديد, ووضع في اطر قانونية مكتوبة , ولم يعد يعتمد على الأوامر العرفية والاجتهادات الشخصية , لهذا تم تفكيك الأمر بالمعروف أو نظام الحسبة إلى الشكل التنظيمي التالي :
أولا : تم إسناد مهام الحسبة أو الأمر بالمعروف كما بينها ابن خلدون إلى أجهزة ضخمة متخصصة فمراقبة المباني والعمران إلى جهاز البلدية ,ومراقبة الصحة والنظافة إلى وزارة الصحة وهناك أجهزة مختلفة متخصصة, البعض منها يراقب الأسعار ويحددها, والبعض الآخر يكشف على صحة الأغذية , وهناك أجهزة تراقب تطور الإمراض وخطورتها وتصدر النشرات التي تساهم بالتوعية ,
أما مراقبة الطرقات فقد أسندت لوزرة الداخلية حيث هناك أجهزة تراقب المرور وجهاز لمكافحة المخدرات , وجهاز لمكافحة جرائم الآداب والعديد من الأجهزة الآخرة منها الحفاظ على الأمن وغيرها .
وهناك جهاز لمراقبة المواني والجمارك والضرائب وغيرها وهي من مهام الأمر بالمعروف حيث تم تفكيكها ولم تلغى إنما وضعت في إطار حديث .
ثانيا : كانت العواصم والمناطق الأهلة بالسكان محدودة قبل أكثر من قرن ,سكانها محدود العدد بالمئات أو الآلاف , وكان بإمكان فرد واحد أن يقوم بالمهام بمفرده بدون أن يكون هناك جهاز كامل يعاونه , وكان له سلطة تم منحها له من الحاكم ,لهذا كان الأمر يسير , لكن بظهور الدول الحديثة في عالمنا العربي فقد حدث تضخم سكاني في المدن وحتى القرى لهذا كان ضروري اخذ شكل جديد وحديث يتوافق مع المتغيرات.
ثالثا : قبل قرن من الزمان كان أغلبية السكان من الأميين في بلادنا العربية , فكان ضروري أن يُعين لهم أفراد يعلموهم بقوانين السلطة لكونهم لا يفكون الخط ولا يكتبون , فالكبير مثل الطفل الصغير يحتاج لمن يبصره بكثير من الأمور والتعليمات من الحاكم, وكان رجل الحسبة أو من يقوم بالأمر بالمعروف هو من يبصر أفراد المجتمع , لكن في زمننا هذا معظم الناس غير أميين, وليس هناك ضرورة أن يوجد شخص يبصرهم بالمستجدات من الأمور, ولكن كل ما في الأمر أن تعلن أية قوانين بوسائل الإعلام الحديثة وما كثرها في زمننا هذا وتتطور كل ثانية.
رابعا : الدول الحديثة فصلت سلطات الدولة, فهناك سلطة تشريعية, وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية ,وكل سلطة يفترض أن تقوم بالمهام الموكلة لها وذلك حتى لا يحدث تداخل بالسلطات , وهذا شكل قد يساهم بالعدالة إن طبق بشفافية , ويمنع أن تقوم جهة منفردة بدور المشرع والقاضي والمنفذ في نفس الوقت .
أخيرا ما نود قوله إن تفكيك الأمر بالمعروف أو نظام الحسبة لم يلغيه , أنما أتى بشكل جديد ونظامي وموثق بقوانين , وان كل وزارة أو جهاز هو في الحقيقة يأمر بالمعروف بإبلاغ الناس بالقوانين, وينهى عن المنكر عندما يطبق المخالفات التي يرتكبها البعض بعد حكم جهاز القضاء , إذا القول بأن نظام الحسبة أو الأمر بالمعروف قد الغي من حياتنا قول يجافي الحقيقة .
ولو طالب البعض بأن يكون هناك جهاز حديث حتى يراقب السلوكيات , فهذا قد يقبله البعض ,ولكن وفق قوانين تحدده ونظم مكتوبة حتى يعرف الإفراد ما هو المنكر وما هو المعروف , لا أن يكون غموض بالأمر ويترك للمنفذ اجتهاداته الشخصية مما يوقعه في صدام مع الفرد و المجتمع والنظام .
_________________
من مدونة حمد الحمد
الأحد 24 يونيو 2012 س 9 ود 20 ص
خامساً – تفكيك الأمر والمعروف والنهي عن المنكر
بقلم : حمد الحمد
________________________
0 مع بشائر الربيع العربي انطلقت أصوات تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وذلك لنجاح كاسح للتيارات الدينية في الانتخابات التشريعية في كل من تونس ومصر , ورغم إن هناك عدم وضوح في تطبيق الشريعة واختلاط الكثير من المفاهيم التي تخلط بين الدين كدين مُنزل وبين مفاهيم أخرى هي اجتهادات من مسلمين قد يكون الزمن قد تجاوزها .
لهذا هناك تخوف أن تكون رياح الديمقراطية التي تنادي بدولة مدنية أن تتحول إلى دول دينية ثيوقراطية , وبالتالي يقود ذلك إلى صدام بين فئات الشعب المختلفة على أساس مذهبي طائفي , أو أن يكون هناك احتكار أبدي للسلطة لتلك التيارات الدينية كما حدث في إيران أو حتى في قطاع غزة .
لذا هل مناداة البعض بتطبيق الشريعة هو مؤشر على صدام مستقبلي , قد يكون كذلك حيث إن هناك مؤشرات سابقة في دول أخرى , وليس ببعيد ما يحدث في العراق من صراع مذهبي يودي بكثير من الأرواح نتيجة الصدام داخل النظام السياسي بين الطائفة السنية والشيعية .
أو ما يحدث في نيجيريا عندما قامت جماعة إسلامية وهي جماعة متشددة تدعى ( بوكو حرام ) برفض التعليم الأجنبي , وقاد هذا إلى صدام دموي بين طوائف المجتمع من مسيحيين ومسلمين ومع الدولة , وما زال هذا الصدام مشتعلا وأودي بأرواح لا تعد ولا تحصى , أو ما يجري في أفغانستان من حركة طالبان برغبتها بتنفيذ مفهومها الفكري على المجتمع أو ما يحدث في باكستان لهذا يبدو أن هذا الصدام يصعب إيقافه من قبل الأنظمة .
وقد تكون الكويت قد مرت بأشكال عده لإقحام مفاهيم دينية مختلف عليها إلى نظام الدولة طوال تاريخها , ولكن غالبا ما تخبو تلك المطالبات نتيجة معالجة الأمر وفق الدستور والقانون أو حكمة الحكماء أو عبر رفض المجتمع عبر وسائل الإعلام .
وهنا نتحدث عن ما يجري بالكويت من أفكار قد لا تمر, ومنها ما حصل مؤخرا بالكويت عندما طالب بعض الأعضاء بتعديل يمس الدستور وهو تعديل المادة الثانية بأن تكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع , أو ما تقدم به عدد من الأعضاء بقانون مضمونه أن لا يمر إي قانون إلا أن يتوافق مع الشريعة الإسلامية ولكن صاحب السمو لم يوافق على ما نودي به كونه يمس الدستور ويعتبر تعديل دستوري ويخلق إشكالات للمشرع لاختلاف المذاهب والاجتهادات وقد يخلق فتن داخلية.
وبينما نحن نتحدث عن الوقت الحاضر عن هذه المحاولات من قبل السلطة التشريعية , فأن محاولات عديدة قد حدثت قبل ذلك من قبل السلطة التشريعية في الكويت , وكان أهمها ما حدث في عام 1993 بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي وعودة الحياة النيابية من جديد , حيث تقدم عدد من أعضاء التيارات الدينية بمشروع قانون لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل خمسة أعضاء هم السادة احمد باقر,خالد العدوة, مفرج نهار وشارع العجمي وعايض المطيري وذلك في الأسبوع الأول من رمضان في ذلك العام , وكان من أغراض المشروع إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة السلوكيات الدخيلة على المجتمع ونشر الفضيلة والرقابة على الآداب العامة وغيرها من أهداف تصب في حماية الأخلاق .
ورغم إن المشروع كان في شكل مقترح ولم يعرض على المجلس حيث قوبل من المجتمع الكويتي برفض عبر وسائل الأعلام , فالمجتمع قد خرج للتو في ذلك العام من كارثة الغزو ولم يكن مستعد نفسيا لقبول أفكار قد تكون لها جوانب سلبية أو غير مطبقة في معظم العالم الإسلامي , وقد كتب مقالا في هذا الموضوع نشر على حلقتين في جريدة الطليعة الكويتية تحت عنوان (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..لماذا ) نشر في عدد 5 مايو 1993.
لهذا عندما يثار موضوع تطبيق الشريعة دائما ما يطرح موضوع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حيث يطالب البعض بإعادة تفعيله رغم إن هناك سوء فهم حيث ما يُطالب به موجود على ارض الواقع و مفعل ولو بشكل نظامي و وفق تصور جديد يتماشى مع متطلبات العصر .
التفكيك
وحتى نقدم التصور الجديد , لنعود عن ماهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وهي بلا شك شعيرة راقية تحافظ على الأخلاق وأسلوب التعامل , والدين الإسلامي دين أخلاقي بمعنى ما نهى عنه صراحة دائما له أثارا مدمرة على الفرد والمجتمع ومنها شرب الخمر والعلاقات الجنسية المحرمة التي أثبتت الدوائر الصحية في العالم أنها مسبب رئيسي لمرض الايدز , والخمر تُعرف أضراره الاجتماعية والصحية.
ولكن كيف تم وضع هذه الشعيرة في أطار قانوني لا يمس حرية الناس, ولا يخضع لاجتهادات فردية أو مذهبية , هذا هو لب المشكلة , وحتى نفهم الأمر لنأتي لتعريف ما يسمى بالحسبة , وقد ذكرها ابن خلدون كالتالي :
(أما الحسبة فهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين ,يعين لذلك من يراه آهلا لها , ويتخذ الأعوان ويبحث عن المنكرات, ويحمل الناس على المصالح العامة, مثل المنع من المضايقة في الطرقات , والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة , ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل)
وهذا تأتي الحسبة من قول الله سبحانه وتعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) لهذا الأمر بالمعروف واجب على كل مسلم ,ولكن يأتي كيف يتم تنفيذ هذه المهمة ؟
نخرج من تعريف ابن خلدون لمعنى الحسبة , ونتساءل هل سقطت الحسبة من أنظمة عالمنا الإسلامي أو العربي كما يعتقد البعض , أو فقط هي موجودة في المملكة العربية السعودية على شكل جهاز رسمي أو كما يطلق عليها الأعلام الغربي مسمى مغلوط وهو الشرطة الدينية .
أرى شخصيا أن الحسبة موجودة في الوقت الحاضر ولها دور أساسي في كل عالمنا العربي والإسلامي ولم تسقط أو تتلاشى كما يُعتقد , أنما أتت بشكل جديد نتيجة لظهور الدول الحديثة واتساع العواصم والمدن وتضخم السكان ,
حيث بظهور الدول الحديثة تم تفكيك نظام الحسبة ولم يختفي وقدم بشكل يتوافق مع الواقع الجديد, ووضع في اطر قانونية مكتوبة , ولم يعد يعتمد على الأوامر العرفية والاجتهادات الشخصية , لهذا تم تفكيك الأمر بالمعروف أو نظام الحسبة إلى الشكل التنظيمي التالي :
أولا : تم إسناد مهام الحسبة أو الأمر بالمعروف كما بينها ابن خلدون إلى أجهزة ضخمة متخصصة فمراقبة المباني والعمران إلى جهاز البلدية ,ومراقبة الصحة والنظافة إلى وزارة الصحة وهناك أجهزة مختلفة متخصصة, البعض منها يراقب الأسعار ويحددها, والبعض الآخر يكشف على صحة الأغذية , وهناك أجهزة تراقب تطور الإمراض وخطورتها وتصدر النشرات التي تساهم بالتوعية ,
أما مراقبة الطرقات فقد أسندت لوزرة الداخلية حيث هناك أجهزة تراقب المرور وجهاز لمكافحة المخدرات , وجهاز لمكافحة جرائم الآداب والعديد من الأجهزة الآخرة منها الحفاظ على الأمن وغيرها .
وهناك جهاز لمراقبة المواني والجمارك والضرائب وغيرها وهي من مهام الأمر بالمعروف حيث تم تفكيكها ولم تلغى إنما وضعت في إطار حديث .
ثانيا : كانت العواصم والمناطق الأهلة بالسكان محدودة قبل أكثر من قرن ,سكانها محدود العدد بالمئات أو الآلاف , وكان بإمكان فرد واحد أن يقوم بالمهام بمفرده بدون أن يكون هناك جهاز كامل يعاونه , وكان له سلطة تم منحها له من الحاكم ,لهذا كان الأمر يسير , لكن بظهور الدول الحديثة في عالمنا العربي فقد حدث تضخم سكاني في المدن وحتى القرى لهذا كان ضروري اخذ شكل جديد وحديث يتوافق مع المتغيرات.
ثالثا : قبل قرن من الزمان كان أغلبية السكان من الأميين في بلادنا العربية , فكان ضروري أن يُعين لهم أفراد يعلموهم بقوانين السلطة لكونهم لا يفكون الخط ولا يكتبون , فالكبير مثل الطفل الصغير يحتاج لمن يبصره بكثير من الأمور والتعليمات من الحاكم, وكان رجل الحسبة أو من يقوم بالأمر بالمعروف هو من يبصر أفراد المجتمع , لكن في زمننا هذا معظم الناس غير أميين, وليس هناك ضرورة أن يوجد شخص يبصرهم بالمستجدات من الأمور, ولكن كل ما في الأمر أن تعلن أية قوانين بوسائل الإعلام الحديثة وما كثرها في زمننا هذا وتتطور كل ثانية.
رابعا : الدول الحديثة فصلت سلطات الدولة, فهناك سلطة تشريعية, وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية ,وكل سلطة يفترض أن تقوم بالمهام الموكلة لها وذلك حتى لا يحدث تداخل بالسلطات , وهذا شكل قد يساهم بالعدالة إن طبق بشفافية , ويمنع أن تقوم جهة منفردة بدور المشرع والقاضي والمنفذ في نفس الوقت .
أخيرا ما نود قوله إن تفكيك الأمر بالمعروف أو نظام الحسبة لم يلغيه , أنما أتى بشكل جديد ونظامي وموثق بقوانين , وان كل وزارة أو جهاز هو في الحقيقة يأمر بالمعروف بإبلاغ الناس بالقوانين, وينهى عن المنكر عندما يطبق المخالفات التي يرتكبها البعض بعد حكم جهاز القضاء , إذا القول بأن نظام الحسبة أو الأمر بالمعروف قد الغي من حياتنا قول يجافي الحقيقة .
ولو طالب البعض بأن يكون هناك جهاز حديث حتى يراقب السلوكيات , فهذا قد يقبله البعض ,ولكن وفق قوانين تحدده ونظم مكتوبة حتى يعرف الإفراد ما هو المنكر وما هو المعروف , لا أن يكون غموض بالأمر ويترك للمنفذ اجتهاداته الشخصية مما يوقعه في صدام مع الفرد و المجتمع والنظام .
_________________
من مدونة حمد الحمد
الأحد 24 يونيو 2012 س 9 ود 20 ص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق