الأربعاء، 18 يوليو 2012

اٍعادة التفكير 7- الكويت والتصادم الفكري بين الليبرالي والديني والقبلي !!

إعادة التفكير 7 – قراءة في فكرنا الديني والاجتماعي !!


سابعا : الكويت والتصادم الفكري بين الليبرالي والديني والقبلي !!

بقلم : حمد الحمد

______________________

ذاكرة واكتشافات

عندما أعود بذاكرتي إلى النصف الأول من فترة الستينيات من القرن الماضي ,أجد نفسي أسجل شواهد على مجتمع متغير , وقد أتحدث عن المجتمع الكويتي كنموذج كوني عايشت هذا المجتمع , وعايشت تلك الفترة وعمري لا يتجاوز العاشرة (الكاتب مواليد عام 1954 ).

و تسألت هل تغيرات المجتمع الفكرية تكون على الأرض وعلى الوجوه و أيضا على الملبس ,اعتقد أن هذا يقترب من الحقيقة , وهنا كيف يتعرف طفل صغير على المجتمع حوله يوما بيوم ولا يعرف ذلك إلا بالمصادفة .

في مرحلة الدراسة المتوسطة كان مدرس الموسيقى يدرسنا أغنية للفنان الكبير محمد عبدالوهاب , واذكر دفتر الموسيقى وكتب على الصفحة الأولى ( الموسيقى غذاء الروح ) هذه الجملة قد تكون غير مقبولة أو مستساغة الآن حتى لو تكتب في صحيفة في وقتنا الحالي.

وما زال في ذاكرتي أننا كنا نحسد احد الطلبة التي لا يحضر حصة التربية الإسلامية ويخرج من الفصل عندما تبدأ الحصة, وكنا نستغرب لماذا يمنح هذه الرخصة هو بالذات , حتى قيل لنا بعد ذلك أن الطالب وأسمه عيسى وهو فلسطيني الجنسية مسيحي الديانة , وهو مُخير بين الحضور والانصراف , هنا عرفت لأول مرة أن بيننا شخص مسيحي وكنت اعتقد قبل ذلك أن كل عربي مسلم الديانة .

وما زال يرسخ في ذاكرتي ذلك العنف الذي لا مبرر له من مدرس الرياضيات أستاذ الحيحي المشهور بالضرب بقسوة , وكذلك مدرس الدين أستاذ الدقس الذي يطلب من التلاميذ ونحن في المرحلة المتوسطة أن نُسمع آيات من القرآن , ولكن أي خطا بسيط يكون العقاب الضرب على ظهر اليد بالعصا بقوة , وحيث أن الخوف من الخطأ والتلعثم مربك وقد يدفعنا للبكاء و ألإحراج أمام الزملاء, فنختار الأسلوب الأقل ضرر نفسي وهو أننا نرفض التسميع و نختار أن نضرب على أن لا نبكي ونحن نُسمع , واذكر أنني قد اخترت الخيار الأخير .

اكتشافات أخرى

كانت مفاجأة أن نكتشف أن بيننا مسيحي كبيرة جدا ,حيث كان اعتقاد قاطع لدينا إن جميع العرب مسلمين . ولكن كانت هناك مفاجآت أخرى , وهذا تعرفت عليه خارج المدرسة من الشارع ومن المجتمع , لقد تعرفت على أن الكويتيين ليس فئة واحدة أنما هناك كويتي سني وكويتي (بحراني) شيعي , أثار ذلك استغرابي وفضولي لتفقد وجوه زملائي بالفصل , من هو من تلك الفئة أو من هو من الفئة الأخرى , ولم أجد فرق بين هذا وذاك , واكتشفت بعد ذلك أن هناك كويتي وان هناك بدون .

اكتشاف ما حولك منذ مرحلة الطفولة الأولى يجعلك تفكر أو تخشى أن تكتشف اكتشافات أخرى مزعجة , ولكن مع هذا هناك شواهد كثيرة تكتشفها من هنا وهناك تدفعك إلى تفكير أكثر عمقا .

مرحلة ما قبل الدولة

قد يكون اكتشاف متأخر إلا انه مستغرب , فقد ذكر السيد شهاب شهاب مدير الآثار والمتاحف عن اكتشاف أثار مسيحية في الكويت في جزيرة فيلكا وتعود إلى القرن الرابع الميلادي بمعنى قبل ظهور الإسلام , والاكتشاف عبارة عن كنيستين متجاورتين , وقد تكون هذه المعلومات جديدة و تؤكد على وجود أنساني مزدهر في منطقة الخليج لم يرصده المؤرخون قبل ذلك ( المرجع جريدة القبس عدد 14 يوليو 2012 ص 11).

الكويت والانفتاح

منذ تأسيس الكويت كدولة وهناك أجماع على انفتاح مجتمعها على كافة الأطياف والمذاهب , وقد رسخ الانفتاح عندما وضعت القوانين وكذلك والدستور في عهد الشيخ عبدالله السالم رحمه الله في بداية الستينيات , وتلك القوانين وبنود الدستور مازالت نافذة إلى يومنا هذا مما جنب البلاد فتن وإشكالات اجتماعية حقيقية بمعنى التصادم الفعلي , رغم أن الإخفاقات والخلافات السياسية هي نتائج حتمية لأي جو ديمقراطي يتعايش مع مساحة من الحرية .

وهنا علينا نذكر معلومات مهمة وهي إن في الكويت قبل أكثر من قرن مسجد بجواره كنسية وملاصق لهما معبد يهودي , وكان هذا أثناء تواجد عدد من أصحاب الديانة اليهودية قبل 1948 م , وفي الكويت تلمح الانفتاح على الأخر من مواقع المقابر والكنائس القائمة حاليا وبعضها من العمر أكثر من قرن من الزمان , واغلب من يؤمها هم من المقيمين من أهل الديانة المسيحية ولكن وفق المعلومات هناك ما يقارب أكثر من 200 مسيحي يحملون الجنسية الكويتية واغلبهم أحفاد من قدم للكويت قبل أكثر من قرن أو بعده من إيران والعراق وبلاد الشام ويتمتعون بكافة حقوق المواطنة .

ففي الكويت داخل السور بالإضافة إلى مقابر أهل السنة وهناك مقبرة يطلق عليها مقبرة الحساوية ومقبرة جعفرية وكذلك مقبرة كتب عليها مقبرة اليهود , ومعظم المقابل داخل المدينة هي مقابر قد أوقف العمل بها منذ أكثر من نصف قرن , وهناك مقابر خارج المدينة اكبر حجما تحت رعاية الدولة ولكل أطياف المجتمع .

شواهد وملامح

وطالما تكلمنا على المقابر فأنني شخصيا أرى أن من يتمعن شواهد القبور في الكويت بإمكانه أن يتعرف على مراحل التطور الفكري للمجتمع , وهنا اكتب ليس عن دراسة بحثية عميقة أنما عن ملاحظات عابرة .

ففي مقبرة الصالحية وهي داخل العاصمة وقد أوقف العمل بها بنهاية الخمسينيات من القرن الماضي , فعندما تتمعن بالقبور ترى ان معظمها بدون شواهد أنما القبر وقد وضع علية صخور صغيرة وهذه عادة الكويتيين طوال تاريخهم , ولكن هناك قبور محدودة بشواهد بارتفاع تقريبا 60 س ومحاطة ببناء اسمنتي لا يتعدى 40 س , وهذا يدل على تغير مجتمعي, ويرجع إلى قدوم الكثير الأجانب للكويت بعد الرخاء الاقتصادي منذ تدفق موارد النفط , لهذا تلك الشواهد تعود لبعض للقادمين من الشام و فلسطين حيث لم يعتاد أهل الكويت وضع شواهد للقبور بل تحريمها حيث أن الأغلبية يتبعون المذهب المالكي والحنبلي .

أما مقبرة الصليبيخات وقد تم الدفن بها في بداية الستينيات , فنرى أن هناك شواهد قبور لكويتيين وغيرهم أسوة بما فعله القادمون من تلك البلدان إلا أنها محدودة , وهذا دليل على تسامح المجتمع مع فئات المجتمع الأخرى وتقبل تقاليدهم , ولكن في أواخر السبعينيات بدأت تختفي تلك الظواهر ويبدو أن هبوب رياح الفكر الديني عبر الجمعيات الدينية و وصولها للكويت وأيضا مبالغة البعض في وضع معالم على القبر ساهم بتحريم وضع أية مظاهر على القبور أو القيام بالبناء , لهذا يبدوان هناك تعليمات بالمنع من الجهات الرسمية , وفي فترة من قبور الثمانينات في نفس المقبرة نرى مسح لجميع الشواهد حتى لو كانت بسيطة بمعنى كتابة الاسم وقد يكون هذا بفعل فاعل , إلا انه بعد تلك الفترة يبدو إن قوانين سنت على أن منع أية مظاهر حول القبور من بناء أو ما شابه ما عدا لوحة رخامية على جانب واحد بعرض 40 س بدون تشييد إي بناء و يكتب بالشاهد الاسم وتاريخ الوفاة وهذا ما هو متبع منذ التسعينيات وأصبح متبع من الأغلبية إلا من البعض من يعتقد أن هذا يدخل في ضمن المحرمات لهذا لا يضع حتى شاهد باسم المتوفي , أما المقبرة الجعفرية وهي ملاصقة لمقبرة السنة فأعتقد لها نظم تختلف عن ذلك .

واعترف أن ملاحظاتي تلك أنما أردت الإشارة لها لكون التغير أنما يتماشى مع تغير المجتمع الفكري من انفتاح في الستينيات إلى تشدد في أواخر السبعينيات ولكن مع هذا فأن ملاحظاتي العابرة أنما تعود لقيامي أسبوعيا في صباح كل يوم جمعة بزيارة قبر ابني سليمان رحمة والدعاء له , وقد انتقل سليمان إلى رحمة الله في 11 أكتوبر 2007 اثر مضاعفات مرض السكر عن عمر 23 سنة .

تغير الوجوه

هل التغير الفكري له اثر على الوجوه , اعتقد ذلك فأذكر رجل دين راح يحدثنا وكان ذلك في الثمانينيات عن وجوب إعفاء اللحية , وبلا شك أن إعفاء اللحية في الكويت بدأ بصورة ظاهرة في بداية السبعينيات كالتزام ديني أو حتى أتباع تيار سياسي , واذكر في الستينيات يندر أن تشاهد رجل بلحية .

واذكر ان جلس بجانبي صديق وقال ( لماذا لا تربي لحيتك ) وكان هذا في فورة انتشار حركة الإخوان المسلمين في الكويت وذراعها جمعية الإصلاح وهي جمعية نفع عام ولها العديد من الأفرع لجمع التبرعات وله تيار سياسي وهو الحركة الدستورية تخوض انتخابات مجلس الأمة ولها أتباعها في كافة المناطق .

وجمعية الإصلاح ظهرت للعلن في البداية تحت مسمى جمعية الإرشاد في عام 1950 , و يحكي لي ابوفهد وهو ألان تجاوز السبعين من العمر قال : انضممت لأنشطة جمعية الإرشاد في عام 1952 وكان عمري 12 سنة والتحقت بفريق الشبيبة حيث كل خميس نذهب للجمعية لتلقي الدروس , ولكن بعد ثالث أسبوع قال لي شخص يعمل هناك (بإمكانك شراء هذه الصورة), وكانت الصورة لشخص لا اعرفه , وكانت قيمة الصورة نصف روبية , ويقول ابوفهد :طبعا لم أوافق وفضلت أن أقوم بتأجير دراجة طوال اليوم بنصف روبية عوضا عن اشتري صورة شخص لا اعرف من هو , ولكن بعد فترة من الزمن عرفت أنها صورة الشيخ حسن البنا مؤوسس حركة الأخوان المسلمين في مصر , وبعد تلك الصورة لم اعد للجمعية , وعندما نذكر (اللحية) فأننا فقط نشير لها كتغير مصاحب لظهور الحركات السياسية في المجتمع ,وهي بلا شك حرية شخصية وسنة حميدة كما ذكر الكثير من العلماء .

وعندما نذكر جمعية الإصلاح الاجتماعي وجمعية أحياء التراث وهي تتبع التيار السلفي , فأننا لن نبخس حقهما فقد قامتا بدور اجتماعي مهم , ولكن انغماسها في الجانب السياسي خلق لهم الكثير من الخصوم , لكن هنا عندما نتكلم عن هذه التيارات أنما نتكلم عن المد السياسي للتيار الديني في المنطقة وليس الأمر مقصور الكويت فقط , والمد الديني في المنطقة ومنها الكويت أنما هو تحرك متوقع لوقف المد التغريبي الذي جاء بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الخلافة الإسلامية في تركيا , وسقوط معظم الدول العربية تحت الغطاء الاستعماري الغربي سواء كاحتلال مباشر أو بشكل حماية .

الكويت والتغير المحمود

وعندما نتحدث عن التغيير الاجتماعي في الوجوه فقد كان إعفاء اللحية وانتشارها رغم انه له دلالة على الالتزام الديني, ولكن للأسف البعض اتخذه سلم لمأرب أخرى منها سياسية واجتماعية ولكن بالنهاية كان الأمر حرية شخصية محمودة في مجتمع منفتح تحكمه قوانين فلم يطارد احد بسبب الشكل .

و نتكلم كذلك على انتشار الحجاب للنساء أو حتى النقاب مع المد الديني الأخواني والسلفي السياسي, وهي أزياء جميلة بالنسبة للنساء وحرية شخصية لهذا المجتمع الكويتي بقوانينه لم يحارب احد على الشكل والملبس , حيث طبيعة الحياة أن المجتمعات تغير نفسها بنفسها بدون أي تدخل من السلطة في هكذا أمور شخصية , بينما في دول أخرى كان الشكل أو الملبس قد يقود لتهمه قد تأخذك للسجن, ولكن في الكويت كانت المساحة متسعة لقبول الجميع ضمن أطار القانون , والجميل في الأمر أن نسبة نساء الكويت من يرتدين الحجاب أو النقاب يفوق 80 % رغم إن لا وجود لقانون يلزم بذلك .

وفي كتاب ماري اليسون وهو عبارة عن مذكرات وهي دكتورة أمريكية عملت في المستشفى الأمريكاني وعاشت في الكويت من الثلاثينيات وحتى الخمسينيات, تذكر بأن بعض نساء الكويت طالبن بأن يكون هناك قانون يمنع التحجب أو غطاء الوجه كما حدث في إيران في فترة من الفترات ,وكان رد الحاكم وهو الشيخ عبدالله السالم ردا عقلانيا حيث قال ( هذا الأمر تقرره النساء بأنفسهن وليس نحن ).

الكويت عروس الخليج

وكانت الكويت في الستينيات حتى أواخر السبعينيات يطلق عليها عروس الخليج حيث مجلس منتخب ليبرالي وحكومة ليبرالية مما اوجد مساحة أوسع للتعاون والإنجاز في مجالات عدة لا مجال لذكرها , لكن حدث التغير من منتصف السبعينيات لدخول تيارات خارجية ذات مرجعية دينية حيث لهم فكر خاص يتصادم مع الفكر الليبرالي المنفتح على الأخر , والإشكالية الأخرى أن الفكر الديني السياسي لم يعد فكرا إسلاميا خالصا أنما اختلط معه الفكر الحضري المتشدد والفكر القبلي , و الفكر القبلي يتجلى في الانتخابات الفرعية أو التشاورية حيث هناك ولاء تام عند التصويت لمن اقرب لي في فرع أو الفخذ القبلي بدون اختيار الأفضل أو حتى إقصاء النساء من المشاركة في التصويت في الفرعيات رغم أنها محظورة وفق القانون , والتعصب كنهج قبلي أو حتى حضري فئوي طائفي يتنافي مع روح الديمقراطية .

الفكر المذهبي الشيعي

إلا أن الكويت لم تكن بعيدة عن بروز الطائفية وبروز تيارات دينية وفق المذهب الشيعي , وهذا حدث بعد ظهور أول حكم ديني مذهبي متشدد وهو نظام الجمهورية الإسلامية في إيران , ودعوة الخميني والنظام هناك صراحة إلى تصدير الثورة إلى خارج إيران , لهذا ظهور نظام ديني متشدد كان له اثر بالغ على الوضع في الكويت وكذلك على منطقة الخليج العربي وبروز الطائفية وهي تصادم التشدد الديني السني والتشدد الشيعي وهذا التغير كان وبالا على المنطقة بأسرها ويتجلى في الكويت إثناء السجال في أطار العمل البرلماني أو حتى في نطاق الأعلام بكافة اشكاله.

ولكن ما زال النظام في الكويت والقوانين تحاول أن تحد من اثر النزاع الطائفي وتتركه في أن يكون وفق أطار القانون والدستور ولا يخرج عن ذلك .

ختام

ما نعنيه أن النظام الحاكم في الكويت والمجتمع الكويتي كان بتوفيق الله في محاولة التعايش مع أوضاع خارجية وأفكار وافده ولم يصطدم معها أو يقمع أصحابها بالقوة ولم يزج بهم بالسجون وإنما أستوعبهم ولكن التعايش كان ضمن أطار الدستور والقانون وهذا قد يكون جنبه فتن ومصائب اكبر نرى لها شواهد في دول عربية أخرى .

________________

من مدونة حمد الحمد

الأربعاء 18 يوليو 2012 س 5 ود 44 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق