الاثنين، 18 نوفمبر 2019

مذكرات بين السماء والارض

مُذكرات بين السماء والأرض
كتب : حمد الحمد
____________________
   الوضع الذي تجتمع في مع أشخاص من مُختلف الجنسيات لا تعرفهم ، هو أن تكون على مقعد في طائرة ، لكن هم بشر مثلك والمُختلِف أنهم يعيشون في أماكن مُتفرقة ، وهذه الأماكن جعلتهم يختلفون عنك ، قد يكون باللون وفي اللغة والدين  ، لكن هم من نفس جنسك بشر .
   في فترات من حياتي كنت أتواصل مع من يجلس بجانبي أتحدث معه ، لهذا تمر في حياتي صور ما زالت في الذاكرة قد تكون في السماء ، أو على الأرض وهنا أدونها :
  في رحلة من لندن وذلك في منتصف السبعينيات كان يجلس بجانبي شاب أسيوي طوال الرحلة هو نائم ، وكان يمتنع عن الأكل ، وعندما اقتربنا من الكويت فاق من  نومه ، فتحت حوار معه وسألته : طوال الرحلة لم تأكل.. لماذا ؟ ، فكان جوابه لي :  " أكل الطائرات غير جيد وأنا مهندس بهذه الطائرة وأعرف ذلك" ، وفعلا رجعت بذاكرتي إلى الوراء حيث كنت أعاني من أكل الطائرات فأصاب بتوعك معوي .. لهذا أنا وعائلتي منذ سنوات طويلة نتجنب أكل الطائرات ، إلا ما عدا الخبز والجبن ،ونبتعد عن الأكل المطبوخ المُجهز وكانت النتائج ايجابية ، وبعد ذلك نتناول وجبتنا في مطعم  بأول مطار ننزل به .
   وفي رحلة من جده للكويت كان يجلس بجانبي  شاب كويتي ، ورحت أتحدث معه وكان يُزعجنا بعض المطبات ، وهنا قال عن تجربة أخيه الذي كان يعمل كطيار وبعدها تقاعد ، ولكن ذلك الأخ  في التقاعد لم يعد يعيش حياة طبيعية على الأرض ، بينما طوال حياته كان مُعلقاً في السماء ، لهذا تقدم للعمل للعودة كطيار وعاد ، وعاد لحياته الطبيعية مع مطباتها .
   وفي فترة الثمانينيات كنت في رحلة من الكويت للندن وكان ذلك في أوج الحرب العراقية الإيرانية وكان يجلس بجانبي رجل أعمال أمريكي يقول انه مُسوق أشرطة برامج المصارعة الحرة الأمريكية ، وقال انه كان في طهران وقبلها في بغداد وقلت كيف تذهب إليهما وهم في حالة حرب ؟، قال حكومتي منحتني جوازي سفر لهذا أسوق أعمالي ولا علاقة لنا  بتصارعهما !!! ، بينما نحن في الخليج ليومنا هذا نتجنب  السفر لإيران خشية أن نُعاقب ولا منح فيزا سفر لأمريكا أو دول أوروبية بسبب سفرنا لإيران .
   وفي رحلة من القاهرة للكويت قمت بتصرف غريب أثار انتباه شاب يجلس على مقعد في الجانب الآخر ، ودفعه فضوله لسؤالي عندما هبطت الطائرة ، وكان سؤاله هو انه لاحظني طوال الرحلة وأنا اقرأ في كتاب وكانت هذه عادتي دائما ً، وفي الحقيقة لم استغرب سؤاله فنادراً ما تشاهد عربي  يقرأ في طائرة .
   أما بعد عدة رحلات وأنا مُعلق في السماء ، فحتما أن ما يقلقني أنا وغيري هو السرقة أو النصب عندما تطأ قدمك الأرض ، لهذا لا يغيب عن ذاكرتي أول عملية نصب تعرضت لها ، وكان ذلك بعد التحرير بسنتين ، ففي رحلة من الكويت إلى الإمارات  تعرفت في الطائرة على راكب اكبر مني سناً ، ويدعي انه خليجي لكن اشك في ذلك ، لكن حديثه طيب ومرح ، وشعرت كأنني اعرفه من زمن طويل ، والتقيت به بعد ذلك في احد الفنادق بناء على دعوة  منه ، وبعد اللقاء وقبل أن أغادر طلب مني خدمة هو أن ادفع تكلفة ليلة الفندق الذي يسكن فيه حيث ادعى انه نسى محفظته في مدينة أخرى ، ومن اجل مساعدته دفعت المبلغ من بطاقة ائتماني ، وشكرني لإنقاذ الموقف ، ووعد أن يحول ما دفعته له لحسابي في الكويت وودعني ذلك الوداع الحار !!، لكن بعد ساعات اكتشفت مُصادفة أن ذلك الشخص انتحل شخصيتي وذهب لمكتب بطاقة الائتمان ، وادعى انه أنا وانه فقد كل أوراقه الثبوتية وطلب بطاقة جديدة ، أبلغت المسئول الذي اتصل بي أن هناك عملية نصب وأن ذلك الشخص انتحل شخصيتي ،وأن بطاقتي معي ولم افقدها .  
    أما السرقة التي تعرضت لها فكانت في محطة المترو في روما ، عندما دخلت القاطرة إلا وحدث ازدحام مفاجئ ، واكتشفت أن محفظتي قد سُرقت ، وما تصنع الازدحام إلا من عصابات تمتهن السرقة خاصة في محطات القطارات .
     من عقود من السفر علق بذاكرتي تلك الحكايات ، لكن أخذت منها درساً ، وخاصة في التخوف من السرقة ، لهذا في الفترة الأخيرة كنت أضع خطة احتياط عند  السفر ،وأهمها أن لا احمل معي إلا كل ما هو رخيص الثمن من ساعة أو قلم أو محفظة ،وكذلك بطاقتين ائتمان وعدد اثنين من الموبايل احدهما احتفظ به بكل المعلومات ، وهذا الخطة أنقذتني عندما سرقت في روما حيث كان صندوق الأمانات في غرفتي به هاتف إضافي وبطاقة ائتمان إضافية وجوز سفري وبعض النقد ، لهذا أكملت سفري بدون أن أتاثر بالسرقة .  
____________________
نشر بمجلة الكويت عدد نوفمبر 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق