الأربعاء، 2 مايو 2018

الفلسفة واالإلحاد .. نظرة أخرى .. لماذا تفوق الغرب علينا ؟


الفلسفة والإلحاد .. نظرة أخرى !!
( لماذا تفوق الغرب علينا ؟ )
كتب : حمد الحمد
____________
    في خطبة الجمعة التي نشرتها وزارة الأوقاف على موقعها في مارس الماضي والتي أثارت ضجة واتهمت المرأة السافرة بالانحلال ،أيضا أتت هذه الجُملة في نفس الخطبة " أعظم الناس انحرافاً هم الملاحدة الفلاسفة وهم شرار الخلق الدُعاة إلى الانحلال " .
   وهنا نجد ربط واضح لعلم "الفلسفة" على العموم بالإلحاد ، وهذا قول لا يتوافق مع نهج الدولة والنظام التعليمي في الكويت ، فمدارس الدولة وخاصة في المرحلة الثانوية تُدرس مادة الفلسفة والمنطق ، وفي جامعة الكويت هناك قسم خاص للفلسفة ، والدولة سنويا تقدم عبر المجلس الوطني للثقافة جائزة قيمة لمن يقدم كتاب مادته الفلسفة .
   الفلسفة مُسماها باللغة اليونانية يعني  " حب الحكمة " ، لهذا يتبين لنا أن ما جاء في الخطبة من جهاز يتبع الدولة التي لديها دستور وقوانين مكتوبة بعيد كل البُعد عن ما تُلقنه الدولة لنا ونحن على مقاعد الدراسة ، و في مُجتمعاتنا دائما نقول أن الغرب سبقنا في التقدم ، ونحسد الغرب على تقدمه العلمي وعلى أنظمة الحكم المستقرة سواء في أوروبا وأمريكا وغيرها ، وتُبهرنا الاختراعات والابتكارات التي تأتي من هناك ، والتي تُحاصرنا في بيوتنا وفي حياتنا من جهاز تلفاز إلى هاتف محمول إلى طائرات إلى أقمار اصطناعية إلى مُخترعات في عالم الطب وصواريخ تعبر القارات واكتشافات علمية حديثة لا نستوعبها ، وما زلنا نعتقد أن كل ذلك التقدم والتفوق العلمي المبهر لديهم  أتى بضربة حظ أو جاء من فراغ  .
    لكن في الحقيقة هذا التقدم العلمي الذي شمل العالم في القرنين الأخيرين بالذات  جاء بفضل " علم الفلسفة "، حيث الفلاسفة الأوروبيون هم الذين قدموا أفكاراً عديدة ساهمت بكل هذا التطور ، ولولا الفلاسفة لكانت أوروبا ما زالت ترسخ تحت تسلط الكنيسة الديني والجهل ومحاكم التفتيش وبيع صكوك الغفران ونظام الإقطاع والملكيات المتوارثة وحروب لا تنتهي .
ومن الفلاسفة الذين غيروا وجه أوروبا والعالم مارتن لوثر، ديكارت ، كانت ، جون لوك ، مونتسيكو ، هيجل جون ستيورات ميل وغيرهم ، معظم هؤلاء طرحوا أفكارهم الفترة من القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر وتم مُحاربتهم من قبل الكنيسة أو الأنظمة الملكية والإقطاعية لكن كابروا ونشروا كتبهم بلا أسماء خوفا من العقاب، ولكن بالأخير برزت أفكارهم للوجود وبرزت النهضة الأوروبية بعد حين، وحالياً نلمس ما يعيشه الغرب والشرق الأسيوي من ازدهار وتقدم مُتسارع في كل المجالات بسبب تلك الأفكار .
   ومن أفكار الفلاسفة ومنهم  جون لوك في القرن السابع عشر ،هي ضرورة الفصل بين مهام الدولة والمعتقدات الدينية ، والفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والذي مهد لنشؤ أنظمة ديمقراطية فيما بعد  ، وان حرية الفرد سلطة مقدسة والذي زرع مفهوم حقوق الإنسان وألغى نظام العبودية والرق لاحقا في أمريكا وفي العالم أجمع ، أما مونتسيكيو في القرن الثامن عشر فأكد إن الحرية قاعدة أساسية تُبنى عليها السلطة السياسية والتنظيمات المدنية ، أما ديكارت الذي أكد أن حرية التفلسف لا تمثل خطرا على التقوى أو سلامة الدولة ، أما سبيونزا في القرن الثامن عشر فقد طرح فكرة فصل الدين عن السياسة وتحرير العقل من الخرافات والأوهام وإطلاق حرية التفكير والتعبير والمُمارسة .
   ويبدو إن الفلسفة سيكون لها أهمية اكبر في المستقبل القريب ، حيث جاء في القبس عدد 21 ابريل 2018 ، تحت عنوان " الفلسفة المهنة الأعلى أجراً بعد 10 سنوات ، حيث يرى المليادير ورائد الأعمال الأمريكي مارك كوبان انه بعد عشر سنوات ستكون 
العلوم الإنسانية تحديداً تخصص "الفلسفة" أكثر قيمة من شهادة البرمجة الحاسوبية .
    وفي كتاب " مع الفلاسفة والحكماء " لمؤلفه الفريد وجيه ذُكر بأن سبب نكسة أحوال العرب تمت في القرن الحادي عشر الميلادي زمن الخليفة القادر الذي أطاح بالمُعتزلة حيث تمت مُحاصرة محاولات الفكر النقدي الحر والفلسفي الذي عد فكراً ملعوناً ودخيلا على ثقافتنا الإسلامية انطلاقا من "أن من تمنطق تزندق"، وما زال ذلك القول يردد بين العامة " فلان يتفلسف " يعني كلامه لا معنى له بمعنى " خرابيط " بلهجتنا الدارجة .
وفي العصر الحديث جاء فيلسوف مُهم هو برتراتد رسل (1872- 1970) ، الذي رسخ مفهوم حرية الفرد ضد طغيان التقاليد الاجتماعية وطغيان الحكومات ، فالنظم الاجتماعية والسياسية في رأيه هي مؤامرة كبرى للحد من حرية الفرد ، وقد سجن رسل بسبب معتقداته كونه يرفض اخذ شي كأمر مسلم به ، وانتهى بفكره بأن العقل هو أفضل طريق لحل جميع أنواع المشكلات ، وحاليا نجد إن ثورة الانترنت وشبكات التواصل دشنت مرحلة جديدة لعالمنا حيث أصبح الإنسان له شخصيته ويمكن أن يتواصل كفرد بحرية مع العالم ومجتمعه بدون أن يحتاج إلى وسيط من قبل الدولة  أو أي جهة كانت .  
  والمحزن أن فلاسفة أوروبا الذين تكلمنا عنهم قد تأثروا بفكر أساتذة الإسلام ومشاهيره كالفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد ، بينما نحن نرفض فكرهم بل ونتجاهلهم ، فبعض التيارات لا تعترف بفكر ابن سينا كونه ألف كتب في الموسيقى  وتجاهلت فكر بن رشد بل وتم إحراق كتبه .، ونذكر في القرن الماضي عندما اصدر القاضي والشيخ على عبدالرازق ( 1888 – 1966) كتابه عن الخلافة ولكن حورب و ومنع كتابه ( الإسلام وأصول الحكم ) ، الذي أصدره عام 1925 م ، حيث أوضح في كتابه أن لا وجود دليل في الشرع الإسلامي على شكل للدولة بل ترك الله الحرية في كتابه للمسلمين في إقامة هيكل الدولة بمعنى ألغى فكرة الخلافة التي كانت قائمة حتى سقوط الدولة العثمانية، حيث  رأى البعض إن علي عبدالرازق يدعو إلى فصل الدين عن السياسة، واعتبر كتابه أول دراسة شرعية تؤسس للفكر العلماني داخل الوسط الإسلامي ،وبناء على أفكاره طرد من عمله ومنع كتابه رغم انه حصل على شهاداته العليا من جامعات محترمة كاكسفورد والأزهر.
    ويذكر علي الوردي في احد كتبه  "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي " إن الحرب العالمية الأولى  1915 ، كانت أعظم حدث اجتماعي في تاريخ العراق الحديث فقد كانت نقطة تحول هائل فقد كان العراق في العهد العثماني يعيش في شبه عزله اجتماعية وجاءتهم حضارة الغرب بغته وبزخم شديد وبعجائب المخترعات وكان الناس في العراق يرفضون كل شي جديد فدخول المدارس حرام وقراءة الجرائد حرام وتعلم اللغات حرام وكذلك لبس القبعة  حرام وتعليم البنات من اشد المحرمات والتطعيم ضد الجدري والأمراض حرام، وهناك كتاب يعترض على الاستنتاجات العلمية الحديثة عنوانه كان " السيف البتار على الكفار الذين يقولون المطر من البخار " صدر في بغداد عام  1942 ، وفي كتاب على الوردي العالم الاجتماعي يكشف كيف اقتحمت حضارة حضارة أخرى لتكشف عيوبها ، وفي الكويت في عام 1937 كان هناك اعتراض شعبي شديد من البعض على افتتاح أول مدرسة نظامية لتعليم البنات ، وكتابات تشكك في تعلم اللغات الأجنبية . 
    ما نود قوله إن الفلسفة تقبلتها تلك المجتمعات، لهذا كانت المُنطلق الذي قاد تلك المجتمعات لإبهار العالم وان يكون للغرب والشرق السبق علميا وسياسيا وعسكريا وفي كل المجالات بينما نحن نعيش في مُستنقع بعيد كل البعد عن ما جاءت به الفلسفة من أفكار مفيدة ، أما الجانب الإلحادي في الفلسفة فلا فائدة منه فقد تَركت تلك المجتمعات الحديث عنه بين الناس في تجمعاتهم  ولم يُسهم بأي شكل تقدمي وعملي لمجتمعاتهم .
____________
من مدونة حمد الحمد  2 مايو 2018   س 8 و 9 ص
( هذا المقال لم يجد فرصة للنشر في الصحف لهذا انشره في مدونتي )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق