الجمعة، 15 ديسمبر 2023

إعلانات تجارية أم فكرية من جهات مجهولة

 

إعلانات تجارية أم فكرية من جهات مجهولة

كتب حمد الحمد

وصلني شريط يتحدّث به مواطن خليجي يقول إنه التقى بأميركي وسأله «هل فعلاً أهل الكويت سيقاطعون أميركا وهي التي حرّرت بلدهم عام 1991 م»؟، السؤال مُستحق ونحن نرى هذه الحملة الكبرى التي تُغيّب عقول الشباب الصغار من مواليد بعد التحرير، ولا نلومهم ونحن نشاهد إعلانات بشوارع الكويت معناها اذا أخذت كوب القهوة الفلانية كأنك قتلت فلسطينياً، أو لافتة أخرى تقول «من على غير دينك ما يعينك!» أو «دهنا في مكبتنا».

تلك إعلانات بطريفة ملتوية تدعو للمقاطعة التجارية، والأغرب أنها تصدر من جهات مجهولة، وبموافقة جهة حكومية وهي بلدية الكويت، رغم أننا نعرف أن أي إعلان يُفترض له رقم إجازة، وذِكر مُسمّى الجهة المُعلنة، هكذا إعلانات تكلفتها بالملايين، ومع هذا كمواطن لا أعرف ما الجهة المُعلنة، ووزارة الإعلام وفق علمنا أن ليس لها إشراف على هكذا لوحات إعلانية، إذاً من له إشراف إذا تحوّلت لفكرية وليس تجارية؟

لا نحتاج دليلاً لنذكر تاريخ علاقتنا مع الغرب وأميركا، أو من ليس على ديننا وذلك لمصلحتنا ومصلحتهم، وأول العلاقة كانت باتفاقية الشيخ مبارك، مع الإنكليز عام 1899م، وكانت اتفاقية حماية في تاريخ مُضطرب مع الأتراك وغيرهم، وبعدها أتت الحروب العالمية، وكان أثر المعاهدة إيجابياً للكويت الصغيرة.

وفي الكويت تعرّضنا عام 1990 لغزو من العراق، وكان على حدودنا جيش عراقي عرمرم، لكن بداخل الكويت هدوء تام حيث رقابة حكومية تامة على الصحافة، وكان هناك مجلس وطني غير دستوري، وتعتيم إعلامي تام من الدولة عن الخطر المقبل من الشمال للأسف، رغم أن مصادر عالمية تعج بأخبار التهديد ومجلة دير شبيغل الألمانية في شهر يونيو 90، مندوبها بالقاهرة قد ذكر أن صدام سيغزو الكويت في الصيف.

في الكويت لم نأخذ الأمر وخطورته، وهنا نعني ألا نعلن الحرب على العراق حيث ليس بمقدورنا، إنما نعد العدة داخلياً لإرهاب العدو إعلامياً ونفسياً، وللأسف الحكومة آنذاك أخفقت، فالشعب كان مُغيباً، وكل الأمور قبل 1 أغسطس على ما يُرام وكأن لا خطر بتاتاً وحدث ما حدث.

وقد يقول قائل ماذا يفترض أن نعمل؟، نقول المُفترض أن يعي الشعب بالخطر، وأن نحرّك إعلامنا، ونحرك الشارع بمظاهرات كما حدث مع أزمة قاسم، وهنا نعرف مَن يقف معنا ومَن ضدنا، هنا تصل رسالة للعدو وقد يتردّد، أو يعيد حساباته، لكن العدو وجد أن الدولة والشعب للأسف في سبات تام وهذا يشجع على احتلال البلاد بأكملها.

والسيد خليفة الخرافي، أبو مساعد، وهو شخصية معروفة وضابط سابق بسلاح الطيران الكويتي ورجل أعمال، يتذكّر تلك الأيام حيث كان عضواً بالمجلس الوطني، يقول لي شخصياً، وهنا أذكر على لسانه يقول:

«دخلت المجلس الوطني كعضو عن اقتناع حتى يكون لي صوت رغم اعتراض بعض جماعتي، وقلت في المجلس مُخاطباً الحكومة والأعضاء بعد أن وصلنا تهديد صدام وهو بمثابة إعلان حرب، وقلت بصوت مُرتفع داخل المجلس عن صدام: (هذا صدام ديكتاتور وهذا ماله أمان، أحذّركم من هذا اللي وقفتوا معاه في أيام الحرب العراقية - الإيرانية وهو غلطان، ومع هذا قبلنا ووقفنا وياه، إذاً هذه أعماله أنا أحذّركم جيبوا أميركا كغطاء دولي ومصر كغطاء عربي، وبعدما ما قلت هالكلام للأسف كل المجلس وقفوا ضدي وكذلك الوزراء، وقالوا لا تتكلم... هذا رئيس دولة، قلت لهم أحذّركم، المُهم حدث الغزو وكنت في الكويت، وحذّرني شخص ما من أبقى في الكويت وخرجت، ووصلت البحرين والتحقت بدورة تدريبية من أجل تحرير الكويت)».

ما أعنيه بهذا المقال هو الأجيال الجديدة التي لا تعرف تاريخنا، خصوصاً ما حدث من غزو آثم عام تسعين، اتخذه حاكم بمفره من دون معرفة شعبه، لهذا هل يُدرس ذلك التاريخ في مدارسنا ومن وقف معنا بالمحنة ومن وقف ضدنا حتى لا نُلدغ مرتين، لا أعتقد ذلك؟

أجيال غيبت عن ذلك بتعمد، والآن تأتي جهات مجهولة تسعى أو سعت لنشر فكر جديد يتنافى حتى مع ديننا وأخلاقنا بنشر إعلانات بالشوارع، لها معانٍ ملغومة أمثال «من على غير دينك لا يعينك!» إعلانات تُنشر في شوارعنا وتوجه للصغار والشباب لتغيير التاريخ والفكر، وفي السياق الأستاذ حمود جلوي في تغريدة كتب: (إعلانات في الشوارع تحمل نهجاً خطيراً، لقد وصلنا مرحلة تكفير من لا يُقاطع، وهذا نهج المتطرفين وأحزاب متطرفة)، ويعلق الأستاذ والوزير السابق السيد سامي النصف، على هكذا إعلانات في مقابلة تلفزيونية بقوله: (هل قتلت فلسطينياً... إعلانات تجارية في شوارعنا، وعيب أن تسأل مواطناً كويتياً أو مُقيماً، هل قتلت فلسطينياً اليوم، فالكويت هي أكثر دولة تقف وتساعد الشعب الفلسطيني).

أتمنى من أحد أعضاء مجلس أمتنا إذا أحدهم لديه شجاعة أن يوجه السؤال التالي إلى وزير البلدية ويطلب مُعلومات مُفصّلة عن الجهة التي تكفّلت بنشر تلك الإعلانات، وكم التكلفة، ومن أي ميزانية صُرفت، هل من جمعية خيرية أو تيار سياسي ومن دفع؟، واسم الشركة التي تنشر هكذا لوحات إعلانية من يملكها؟

طلب مُستحق ولكن هل يستجيب أحد إذا كانت الحكومة في غياب تام عن ما يحدث من تغييب لتاريخ نحن عشناه، ولكن لم يتعايش معه جيل من الشباب لم يكن مولوداً أثناء تلك المِحنة الكبرى.

لكن ملاحظة، وهي أمر معيب، نواب «دوّخونا» بصورهم وبرسائلهم الواتس آبية كل صباح قبل الانتخابات، وصوّتنا لهم ونجحوا، لكن للأسف ما إن جلسوا على مقاعد قاعة عبدالله السالم الوثيرة إلّا صمتت هواتفهم... مو عيب.

https://www.alraimedia.com/article/1664899/مقالات/إعلانات-تجارية-أم-فكرية-من-جهات-مجهولة-ما-هي

___________________

الراي عدد 11 نوفمبر 2023

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق