الأحد، 27 مايو 2012

إعادة التفكير – قراءة في فكرنا الديني والاجتماعي -1

إعادة التفكير – قراءة في فكرنا الديني والاجتماعي

أولا – الديمقراطية والشورى

_________________ بقلم : حمد الحمد

في الانتخابات المصرية الأخيرة والتي تمت في مايو 2012 من اجل اختيار رئيس للدولة بعد الربيع العربي أثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي حديث على إن ما يجري حدث جديد على عالمنا العربي , فلم يحدث أن انتخب رئيس عربي منذ أكثر 3000 عام بهذا الأسلوب,هذا إذا اعتبرنا أن الانتخابات التي حدثت في العراق بعد سقوط صدام والتي أتت بأول حكومة شعبية لا يعتد بها لكونها حدثت تحت الاحتلال الأمريكي .

البعض اعترض على هذا التصور وذكر أن انتخاب رئيس أو خليفة قد حدث من قبل عندما تم اختيار الخليفة أبو بكر كخليفة أو رئيس للمسلمين بعد وفاة الرسول ص , وهنا نرى إن هذا لا يتوافق مع ما يحدث ألان في مصر , حيث أن اختيار رئيس في مصر إنما يأتي وفق النظام الديمقراطي حيث يشارك عامة الشعب بالاختيار, إنما اختيار أول خليفة كان وفق نظام الشورى , واعتقد هناك فرق كبير بين النظامين .

النظام الديمقراطي كما نعرف هو حكم الشعب للشعب , وهو مصطلح يوناني فكلمة ديموس تعني الشعب وكراتوس تعني سيادة وهنا نأتي للمعنى سيادة الشعب , لهذا فهو اقرب للفكرة الإدارية وليس الدينية .

أما الشورى فقد أتت في القران بوضوح في سورة الشورى أية 38 (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) لهذا تأتي جملة وأمرهم شورى واضحة وهو أن التشاور ركن أساسي للنظام الإسلامي , لكن هنا علينا أن نوضح أن الشورى نظام ليس جديد على العرب إنما هو جزء من تركيبة القبيلة العربية طوال التاريخ حيث إن شيخ القبيلة يشاور قومه في أمور السلم والحرب ولا يأخذ غالبا القرارات بنفسه , أمر أخر كما نفهم فالشورى هي مشاورة أهل الحل والعقد بمعنى كبار رجال الدولة من كبار الإداريين ومن علماء دين وقضاة ورجال الحرب وغيرهم وليس النزول إلى القاعدة إي اختيار نخبة خاصة وهذا يتضح في تاريخنا حيث يطلب الحاكم البيعة لابنه كخليفة من بعده .

السؤال لماذا اقتنع العرب أخيرا وفي ألفية جديدة وبعد الثورات أن تجربة نظام ديمقراطي حقيقي مشابه للغرب هي الأنسب كما حدث في تونس ومصر مع عدم الاعتداد بما يسمى ديمقراطيات في عالمنا العربي قبل ذلك كونها ديمقراطيات صورية وملكيات وعسكر يحكمون وليس كما هو مطبق بالغرب حيث تداول سلطة ولا بقاء للرؤساء إلى الأبد على قاعدة أما القصر أو القبر.

اعتقد أن عالمنا العربي حتى نوفمبر 2011 مازال يتعايش مع حكومات تشابه حكم القبيلة البدائي حيث فرد يحكم ويورث من بعده سواء ملكيات أو عسكر , وهذا نظام به مزايا في حال تولي الحاكم الصالح , ولكن به مخاطر كبيرة أيضا على الفرد والمجتمع إن حدث العكس كما حدث في زمن حكام كأمثال صدام و القذافي و الأسد و صالح وغيرهم ممن وصلوا للحكم على ظهور الدبابات وكانوا وبالا على المنطقة وشعوبها حيث أهدروا موارد البلاد وخلقوا أزمات أشعلت حروب خاسرة .

و كان من المأمول عند الإسلاميين عند التحول إن يتبع نظام مستوحى من الشورى كنظام للحكم وغيره وفق الشريعة كما يطالب البعض , ولكن للأسف لا يوجد نظام مستحدث مكتوب واضح المعالم مستوحى من فكرة الشورى , فقد وضع الفقهاء أسس ونظم معلومة ومكتوبة مثلا للصلاة والصيام والمواريث ونسب الزكاة والحج وغيرها , ولكن لم يقتربوا من وضع نظام سياسي للحكم مستوحى من فكرة الشورى بمعنى كيفية اختيار الحاكم , وبقت أدارة الحكم بعد الخلافة الراشدة نظم وراثية حيث يرث الابن والده أو يتقاتل على الحكم كل من له سطوة .

قد تكون الديمقراطية بمعنى نظامها الإداري من الفصل بين السلطات و الانتخابات الشفافة وتداول السلطة هو مناسبة حاليا ولا يوجد بديل عنها , ولكن هي ما تتبعه معظم دول العالم لاختيار السلطات العليا بالدولة رغم عدم وجود نظام ثابت لها , وكما قال تشرشل الديمقراطية بمعنى الانتخاب نظام غير جيد ولكن أفضل الموجود حاليا .

وفي هذا السياق هل ما يتبع لدى الجمهورية الإسلامية في إيران من نظام للحكم هو اقرب لنظام الشورى حيث النخبة من فئة محددة وهم رجال الدين هم من لهم حق الترشح فقط وإقصاء الفئات الأخرى , بمعنى أهل الحل والعقد قد يكون كذلك ,ولكن هذا نظام لا يتوافق مع العالم ولا يتيح لكل فئات المجتمع المشاركة , أو حتى أسلوب طالبان في الحكم في أفغانستان حيث أقصت الجميع كونهم غير إسلاميين مما ولد حروب داخلية انتهت بغزو أجنبي .

السؤال هل لو نجح التحول الديمقراطي في تونس ومصر وليبيا وأية دول أخرى هو أن نقر بأننا أخيرا دخلنا مرحلة مشابهة لما يحدث في العالم من أنظمة ديمقراطية , شخصيا لا اعتقد ذلك لسبب جوهري إن تلك الأنظمة علمانية بمعنى دساتيرها تفصل الدين عن الدولة ولا تنص على أية مرجعيات سواء دينية أو غير دينية أنما المرجعية هي ما يقرره المشرع وفق الدستور, فالدساتير التي تنص على المرجعية الدينية تكون في تضاد مع أساس فكرة الديمقراطية الأصلية وهي أن المرجع هو الإنسان الحاضر , وهنا علينا أن نذكر زيارة رجب اوردوكان إلى القاهرة بعد الثورة , ومباركته لها ولكن نصح المصريين بأتباع النموذج العلماني كما هو في تركيا رغم انه يمثل تيار ديني على رأس الحكم في تركيا , وقد استاء المصريون من هذا التصريح وخاصة الأحزاب الدينية مدعين إن مصر لها خصوصيتها .

هل ندعو إلى إلغاء مرجعية مبادئ الشريعة ..طبعا لا ,ولكن نقول أنها قد تخلق إشكالية للمشرع وخاصة إن الشريعة كما يفهم هي ليست منصوص عليها في سجل مكتوب ليتم الرجوع لها, إنما مرجعها القران الكريم والسنة واجتهاد العلماء على مر العصور, لكن المعلوم أن الاجتهادات والفتاوى كما ذكرنا متضاربة وقد تخلق إشكالية مع الطوائف الأخرى وحتى مع المذاهب والتيارات الدينية نفسها من سنة وشيعة وسلف وأخوان وغيرها بالمجتمع, ونرى هذا بوضوح في العراق فالانتخابات صنعت حشد طائفي على أساس مذهبي وكذلك عرقي مما أربك المشهد السياسي في العراق , ونرى هذا حاليا في تونس بعد الثورة فالحزب الحاكم وهو يمثل تيار الأخوان في صدام يومي مع السلف الذين يرون أن التغيير وفق تصورهم للشريعة وليس وفق تصور الأخوان مما يربك المشهد التونسي اليومي ويمثل خطورة على التغيير .

حتما إن العالم العربي قد دخل مرحلة جديدة من تاريخه لا يمكن فيها التراجع إلى الوراء نتيجة الانفتاح الإعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها مما جعل الفرد له صوت في التغيير , هذا الفرد الذي كان مغيبا طوال قرون أو عقود مضت عبر الرقابة على الإعلام والفكر , لهذا فأن التغيير المعاصر عبر الإعلام الحديث حتما سيطال كل مسلماتنا الفكرية مما يربك المشهد أكثر وأكثر , فطوال قرون كنا نحارب المنكر الفكري الذي يأتي من الغرب على ألأرض فأتى عبر السماء عبر أطباق بث فضائي تدخل بيوتنا ومخادع نومنا .

مؤكد أننا ندخل مرحلة جديدة تحمل الكثير من التغيير غير المتوقع يطال كل مناحي حياتنا لهذا يفترض أن نكون على استعداد وتقبل لهذه المرحلة التي نتعايش معها .

_______________

من مدونة حمد الحمد

الأحد 27 مايو2012 س 5 ود 9 م


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق