الاثنين، 1 أبريل 2024

ومما رزقناهم ينفقون

 

ومما رزقناهم ينفقون

كتب : حمد الحمد

قبل فترة كنتُ أستمع لسيدة تقول بما معناه، «لماذا يذهب البعض إلى كافيه ويشتري كوب قهوة ويدفع ما يُعادل ديناراً أو دينارين»؟، وتعني بأن هذا التصرّف لا معنى له، حيث بإمكان الإنسان شراء علبة مسحوق قهوة بدينارين وعمل قهوته بالبيت والعلبة تكفي شهراً أو أكثر، بمعنى لماذا نبذّر أموالنا؟.

كلام تلك السيدة ظاهرياً عقلاني، لكن دينياً واجتماعياً واقتصادياً غير عقلاني، لأن في القرآن الكريم في جزء من سورة البقرة تقول: «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»، بمعنى المسلم يتوجّب عليه الإنفاق، ولكن ما هو مفهوم لدى شيوخ الدين أن الانفاق فقط بدفع الزكاة والصدقة أو التبرّع للجمعيات الخيرية أو الأسر المتعفّفة أو المحتاجين وهذا صحيح، والشيخ عثمان الخميس، في حديث له حدّد الإنفاق كما جاء في الآية فقط في الزكاة والصدقات، وهنا يكون جوابه قد جانبه الصواب، -من وجهة نظري-لأن مفهوم الإنفاق أكبر من ذلك بكثير.

والحقيقة في ديننا الإنفاق أوسع من ذلك المفهوم الضيق، لأنك عندما تذهب لقهوة أو مطعم أو سوق تجاري أو بقالة وتشتري، هذا نوع من الإنفاق لأن ما ستدفعه من مال خرج من حسابك بالبنك إلى حساب صاحب عمل، وصاحب عمل سيدفع ما يصله إلى العاملين الذين يعيلون أسرهم، وهنا نحن نتحدث عن الميسورين والمقتدرين وليس محدودي الدخل فقط، ولكن لو التزمنا بقول تلك السيدة التي ترى أن صرف الأموال على قهوة ليس له معنى، لكن هذا أمر لو اتبعه الكل لأغلقت كل المصالح وفقد الناس أعمالهم وأرزاقهم.

وفي الكويت هناك عادة يفهمها البعض على أنها إسراف وتبذير، حيث قبل رمضان سنوياً تشتري العائلات الموسرة وغير الموسرة أطقم طعام جديدة، وهنا الأموال تنتقل من حساباتهم بالبنوك إلى أصحاب أعمال وإلى العاملين في تلك المصالح كرواتب وهذا نوع من الإنفاق.

وقرأتُ ذات مرة أن النبلاء الإنكليز عندما كانت إنكلترا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، كان لديهم عادة أنهم كل سنة يستبدلون أثاث قصورهم، وقد يُفهم هذا بأنه تبذير وإسراف لكن الهدف هو عندما يتم بيع الأثاث الذي مضى عليه سنة يشتريه مَنْ هم أقل درجة اجتماعية، وبالتالي النبلاء يشترون أثاثهم الجديد من المصانع وهنا يحدث دوران للمال، والإنفاق يصل لدرجات أقل وتشتغل المصانع، والدول الغربية تشجّع على الإنفاق لان هذا نشاط اقتصادي وفرص عمل جديدة ويقل عدد العاطلين عن العمل.

وشخصياً أرى أن الغرب طبّق مفهوم الآية التي تحدثنا، حيث راح يخلق مناسبات تشجع الناس على الإنفاق والصرف، ومنها استحداث يوم للأم ويوم للحب ويوم للجدة وللجد، وهناك بلاك فرايدي وغيرها، وتلك مُسماها أيام، ولكن للأسف شيوخ الدين عندنا يترجمون كلمة يوم day إلى عيد الأم وعيد الحب لتحريم هكذا أيام، بينما هي أيام تجارية يتسابق فيها الناس على الإنفاق، حيت تنتقل أموال من الحسابات بالبنوك لأصحاب المصالح ويتحرك السوق وتفتح فرص عمل جديدة وتستفيد الدولة بأن تنقل لها مبالغ كضريبة.

لكن قد يفهم البعض أنني أشجع على أن تذهب كإنسان لكافيه أو مطعم يومياً، وهذا ليس ما أعنيه إنما القصد أن يخرج الإنسان من البيت، لأن كلمة «بيت» تعني المبيت وهو مكان للنوم، والجلوس في المنزل طوال اليوم لا معنى له، والخروج ترفيه عن النفس وتغيير للمزاج وأن تعيش مع الناس، وهذا هو الإنسان الطبيعي، ويُمقت أن يوصف إنسان بانه «بيتوتي»، وهنا أفسرها بأن هناك حالة نفسية يعيشها.

أتمنى وصول القصد مما أعني، لأن الإنفاق في الأسواق يعني فتح فرص عمل وبيوت يصلها الخير، وليس فقط عبر الزكوات والصدقات لجمعيات خيرية، وخاصة أننا في أيام انتخابات، وهناك كلام أن بعض تلك الأموال يتسرّب من بعض الجمعيات للأسف لدعم حملات انتخابية!.

نشر المقال بالراي في 1 ابريل 2024

https://www.alraimedia.com/article/1682120/مقالات/ومما-رزقناهم-ينفقون

هناك تعليق واحد:

  1. نعم أوافقك في هذا المفهوم العام عن اﻹنفاق، لكني أستدل بدليل مختلف وهي اﻵية التي يقول الله فيها عن اﻹنفاق والمال: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ، أنا شخصياً أحرص على أن لا يكون ما أنفقه يذهب للأغنياء فقط، مثلاً أميل للشراء من المحلات الصغيرة وليست المحلات الغنية التي لا ينطبق عليها مفهوم اﻵية حيث يظل المال بين الأغنياء فقط، فصرف الأموال على القطاعات الضعيفة من المجتمع ينميها ويقلل الرأسمالية، أما إنفاق الأموال في القطاعات الغنية فيزيد التباعد الطبقي حيث يزيد الأغنياء غنى ويزيد الفقراء فقراً. وهذه وجهة نظري

    ردحذف